غزة ليست ستالينغراد
كاتب المقال : خالد أبو الخير
زعم عددٌ من المحللين الاستراتيجيين على الفضائيات العربية ان معركة غزة تذكر بمعركة ستالينغراد، تلك المدينة الروسية التي صمدت في وجه الغزو النازي الألماني، وتكسرت على أسوارها جيوشه الجرارة.
بيد ان هذا الزعم يفتقر الى الدقة والموضوعية؛ فستالينغراد التي غزتها جيوش هتلر عام 1942، بعد قصف جوي عنيف، ودكت مبانيها وبيوتها وحولتها الى غابة من الركام والدمار، لم تكن محاصرة مثلما هي غزة حالياً، إذ جيب منها على ضفاف نهر الفولغا محرراً، مما أتاح للجيش السوفياتي إمدادها بالجنود والعتاد ودعم صمودها.
وقد قاتل الجيش الأحمر -رجالاً ونساء- ببطولة ذودًا عن مدينتهم التي حمل اسمها رمزية مهمة، فقد سميت على اسم زعيمهم ستالين، وهو أمر لم يخف على هتلر الذي أصر على تدميرها واجتياحها، مهما كلفه ذلك من ثمن، وقد قاتلوا، كما يحدث في غزة حالياً، من بيت لبيت ومن شارع لشارع.
استغرقت المعركة ستة اشهر كاملة، زحف خلالها الشتاء الروسي، وفعل فعله في الغزاة الألمان الذين لم يعتادوا هذا القدر من البرودة، وزاد طين الألمان بلة أن الجيش الأحمر الذي استعاد زمام المبادرة بعد الاندحار امام الالمان، حشد نحو مليون مقاتل مدججين بشتى انواع الاسلحة والمدرعات، وشن هجوما التفافيًّا تمكن خلاله من محاصرة الجيش الألماني السادس والفيلق الرابع الذي رفض هتلر انسحابهما، وعانيا من نقص في الإمدادات حتى شاع الجوع بين أفرادهما، وعجزت مركباتهما عن الحركة لافتقارها للوقود، فاستسلموا في النهاية.
في غزة يقاتل المقاومون في بيئة محصورة، ولا تصلهم إمدادات من الخارج، بل يخنقون، ويعانون كبقية الناس من نقص الطعام والامدادات، لدرجة أن اصبحوا يعتمدون بدرجة معقولة على تدوير قذائف وصواريخ العدو، وإعادة استخدامها. ومع هذا يصمدون ويحققون الفرق في قتالهم عدواً لا يقل سادية ووحشية ونازية عن مثيله النازي.
لا.. ليست غزة كستالينغراد، فما يحدث في غزة اليوم أشبه بالمستحيلات، ومتفرد بكل المقاييس العسكرية!
وليس الهدف من المقالة التقليل من شأن ستالينغراد، وبطولة الذين دافعوا عنها، والرفع من شأن مقاومي غزة، وإنما سَوْق الحقائق والوقائع التي تظهر الاختلاف الجوهري في كلتا المعركتين وبين المدينتين البطلتين .