أسرى
كاتب المقال : محمد محيسن

ما كان للأسير الفلسطيني أن يصمد لولا معرفته المسبقة بأن هناك ثلة مجاهدة تدافع عنه بسلاحهم البسيط، كما دافعت عن كرامة أمة تنتظر هي الأخرى الخروج من سجنها الكبير.
“معلش”، كلمة نطقها مراسل الجزيرة من تحت الرماد وهو يحمل جثمان ابنه الشهيد، كانت كفيلة برفع الروح المعنوية لدى آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يمضون في سجون الاحتلال. منهم من تحطمت أمامه أربعة أبواب حديدية، لكن بقي صامدًا في وجه سجانه.
المشهد الذي راقبناه بالأمس لخروج 90 أسيرة فلسطينية من سجون الاحتلال يجعلنا لا نخشى المستقبل، بل يدفعنا دفعًا لنقول لمن تناسوا نخوة المعتصم: إن الليل زائل، ونور الفجر اقترب رغم سواد الليالي الحالكة التي ستمر مسرعة.
نادراً ما تحالف الجوع وخواء الأمعاء مع الحرية، لأنه طالما كان وسيلة إخضاع وتركيع. لكن الأسير الفلسطيني أشهر جوعه في وجه السجان ليقول له إن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده، بل يعيش بالحرية، حتى لو كانت طريقًا قصيرًا ومعبّدة بالدم إلى الموت.
ما أقسى أن يكون المرء أسيرًا في داره، والمشهد الآن أشبه بحفلة تنكرية، تبادل فيها السجين والسجان الأدوار!
للأسرى والشهداء والجرحى لغة خاصة لا يفهم مفرداتها إلا من قرأوا التاريخ كما هو، وليس كما قدم إليهم داجنًا ومعلبًا ومنزوع المعاني وبلا روح. إن هناك من يصومون العمر كله ويعيون التاريخ، ليفطروا ولو على قليل من الحرية!
رغم زخم المعاناة التي يتعرض لها الأسرى، ومع كل باب حديدي ينهار أمامهم، يبقى الصمود والكرامة أعمق من كل شيء. ورغم انقضاء سنوات السجن، يظل الأمل يضيء قلوبهم؛ فحتى عندما يصطدم الجوع بالحرية، لا يتراجعون. يعلمون أن العزيمة لا تبنى على الخبز وحده، بل على الإيمان العميق بأن الإنسان لا يمكن أن يعيش إلا حرًا، فالحرية هي الحياة، ولو كانت طريقها ملطخة بالدماء.
الأسرى الفلسطينيون يدركون جيدًا أنه في كل يوم يمر عليهم، هناك نور قريب سيشق الظلام. وإن كان الليل حالكًا، فإن الفجر يقترب، مهما طال الانتظار. هؤلاء الذين يواصلون دربهم رغم كل شيء، يعلمون أن المسير نحو الحرية يستحق كل تضحية، ويعرفون أن تحريرهم قد يأتي في لحظة، رغم كل العقبات التي قد يراهن عليها أعداؤهم.
الحقيقة أن هؤلاء الذين يقبعون في السجون هم من يملكون مفاتيح الحرية، هم من يعطوننا دروسًا في الصبر والعزيمة، وهم من أحصوا لياليهم الطويلة بعدد من فارقوا من الأهل والشهداء.