شرف المحارب المسلم
كاتب المقال : عبد الرحمن نجم
أخلاق المجاهدين مع الأسرى الذين عُوملوا كأنهم ضيوف كرام تُعرِّفنا أنها جزء من شرف المحارب المسلم.
شرف المحارب المسلم يأمره أن يُحْييَ القادمين إلى قَتْله إنْ أَمْكنه ذلك؛ إنفاذًا لوصية رسول الله عليه وسلم لخالد.
ورَحمةُ المحارب المسلم بالعدو الـمُستأسر تُطفئ نار ثأره المشروع (جهاد الدفع)؛ لأنها رحمةٌ يَسْتمدها من وصية نبيه صلى الله عليه وسلم.
هو يَرحم أسيرَه الغاصب لأرضه، ويُداويه ويَسقيه وهو على قلبٍ مفطورٍ مفجوعٍ نازفٍ! فكيف تُطِيق نفسُه هذا؟! المشاعر الشخصية في عقيدة المحارب المسلم مَنْفية مُبعَدَة؛ لأنه لا يُقاتل بها عدوَّ الله وعدوَّه، بل يقاتله بضوابط قانون الله في الحرب، ويَعصِم دمَ عدوه أيضاً بقانون الله ذاته.
ولذلك فإن المقاوم الغَزِّي هو أشرف محارب يقف فوق هذه الأرض؛ لأنه مع كل مذابح الاحتلال العلنية لا يزال مع آلامه منقادًا غير منفلتٍ، لا يَمْنعُه من تعذيب أسيره القادم لقتله، وقتل أهله شيءٌ غير أخلاقية الحرب في الإسلام؛ فاعتبار الإسلام عنده فوق اعتبار ألـمِه وجُرحه ونفسِه وأهلِه.
فلو راجعتَ حروب المئة عام الماضية، وخاصة الحرب العالمية الثانية، ما وجدتَ مدينة مهزومة سَلِم أهلها من الاغتصاب والسلب والقتل الجماعي؛ لأن الجندي المنتصر كان يقاتل لنفسه، والانقياد إلى حظ النفس يؤدي إلى السَّرَف في القتل والشهوة. أما المحارب المسلم فإنَّ القتال بالنسبة إليه يكون على ضوابط سماوية، لا على مواثيق أممية تَدُوسها الجيوش وقتما تَربح، وتتذكرها وقتما تُهزَم.
ما الذي جعل أسيرة إسرائيلية عجوزًا أُفرج عنها لأسباب إنسانية تقول لمندوب الصليب الأحمر: “انتظر”، ثم تصافح آسريها المجاهدين؟!!
المحارب المسلم حين ينتصر يُطأطئ رأسه تواضعًا لله، مُعترفًا بنسبة النصر إليه، يضع جبهته على الأرض شكرًا لربه، أما العصابات الصهيونية فإنها حين اقتحمت القرى الفلسطينية لم تبق أحدًا حيًّا؛ لئلا ينتقم، وعاثت فيها فسادًا ونهبًا، فأين الفأر من الجبل!
المفكر الفرنسي والسياسي روجيه جاردوي أسلم لأن آسريه النازيين الألمان في الجزائر عام 1941 أعطوا الأمر للجنود الجزائريين المسلمين بإطلاق النار عليه وعلى غيره، إلا أنهم رفضوا إطلاق النار عليهم! فكان هذا الموقف سبباً رئيسياً في طريقه إلى الهداية؛ إذ ظل جارودي غارقًا في تَقصي السبب الذي منع الجنود من إعدامه رميًا بالرصاص بعد إعطاء الأمر العسكري لهم، حتى عَلِم أن “شرف المحارب المسلم يمنعه من إطلاق النار على أعزل”.
جارودي المتزوج من فلسطينية ساهم في فضح المبالغة الصهيونية في ضحايا الهولوكوست، ودافع عن فلسطين بكتاباته ومؤلفاته الكثيرة، ودفع في سبيل هذا الثمن بالسجن والمحاربة طوال حياته.