احذروا الآليات الدفاعية في حرب غزة
كاتب المقال : أحمد الحاج علي
هناك من يدافع عن وجهة نظر الاحتلال بفعل ممالأته له، وكرهه للمقاومة، ولأسباب متصلة بشخصيته، أو مصالحه، لكن هناك من يتبع الآليات الدفاعية المعروفة بعلم النفس، فيتنكّر لآلام الشهداء والموجوعين في غزة، لكن يبقى الخطر من أن تقود خيارات الثاني، وأسلوبه في الحياة، نحو الموقع الذي تترّست فيه الفئة الأولى، دون وعي مباشر لخطر هذا المسار، وما ينتج عنه من كوارث على مستوى الفرد والجماعة.
ولوحظ بشكل واسع بعد أشهر من العدوان على غزة انكفاء أكثر الناس عن التفاعل، بأشكاله كافة، وكأن المذابح توقفت، والأشلاء جرى تجميعها وعادت الأرواح إلى أصحابها في الدنيا.
ونلاحظ نتائج ذلك في تراجع التظاهرات، والفعاليات المختلفة، ويظهر ذلك جلياً على مواقع السوشال ميديا، حتى إن بعض المؤثرين الذين قادوا الرأي العام في البداية، انكفأوا بعد ذلك، وكأن الحرب وضعت أوزارها، بينما في الحقيقة فإن المذابح تتزايد، وبقع الدم تتكثّف أكثر من أي وقت مضى.
أولى هذه الآليات الدفاعية التي نجدها تُمارس في الفترة الأخيرة هي الإنكار، وليس المعنى إنكار وجود حرب غزة، بل الإنكار من خلال تجاهل الحرب كلياً، وإسقاطها من اليوميات، من خلال عدد من الخطوات: لا مشاهدة لنشرات الأخبار وكل ما يتصل بأحداث غزة، لا متابعة عبر صفحات السوشال ميديا المهتمة بغزة وما يدور فيها، رفض في المجالس للحديث “الذي يجلب النكد”، لا مشاركة في أية فعالية خاصة بهذا الحدث.
باختصار: تجاهل كل ما يتصل بالأحداث التي تقع في غزة من مقاومة ومجازر، وبذلك يكون حدث غزة قد جرى إنكاره تماماً، وبالتالي مسحه من الذاكرة والحياة اليومية، بما يسمح بحماية النفس من وقائع الحدث وآثاره.
قد يكون من أسوأ الآليات الدفاعية في حالة غزة هو توجيه المشاعر، فهناك من يحاول التماثل مع رواية الاحتلال، لأنه الأقوى. أما مناصرته للأضعف، وهم المدنيون في غزة، قد تشكل استنزافاً عاطفياً له، وجروحاً بالمشاعر حدّ المس باتزانه النفسي وتهديد حماية ذاته؛ فيتبنى أن الصراع بدأ في 7 أكتوبر، ويحدّث عن جرائم حدثت في ذلك اليوم، رغم عدم ثبوتها قبل نفيها من منظمات دولية.
وإن لم يصل إلى هذا المستوى من تبني رواية الاحتلال فإنه يوجّه سهامه باتجاه المقاومة، باعتبارها لم تأخذ بعين الاعتبار موازين القوى، أو أساءت فهم الظروف الدولية، أو لم تبني التحصينات للمدنيين؛ أي بدلاً من أن يوجه مشاعر الغضب باتجاه الاحتلال وجرائمه، قام بتوجيهها باتجاه المقاومة حماية لنفسه، وليس دفاعاً عن الحق.
هناك آليات دفاعية كثيرة نستطيع ملاحظتها، وجرى استخدامها بكثافة خلال أحداث غزة، حيث تصاعدت مثلاً ظاهرة المزح، للتعامل مع الموقف الصعب الذي نعيشه، وانتعشت المواقع الأقل عمقاً، أو التي تتسم بالتفاهة عموماً.
ومع كل ما تقدّم، قد تكون الآليات الدفاعية، أو بعضها، حالة نفسية ضرورية في لحظة ما، لكن نداء المسؤولية يجب أن يكون أقوى، لأنه يوقظ الدور التغييري فينا جميعاً، ولا خلاص دون الاستجابة له.