الشهيد “علي عمر”.. حارب حتى الرمق الأخير وبقيت يده اليمنى شاهدة على إنسانيته
السبيل – “على استعداد أن نصنع المستحيل لأجل أطفالنا ونسائنا، ولن نتوقف عن تقديم الخدمة لمن يحتاجها طالما هناك مواطن واحد في مدينة غزة بحاجة إلى علي”.
كلماتٌ كان يُرددها مرارًا وتكرارًا على مسمع أصدقائه وزملائه في العمل، كلمات صادقة ترجمها لأفعال أبى الانحراف عنها، وسط تهديد يُطال حياته طوال الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة.
23 عامًا حملت بكنفها “رجل بحجم وطن”، حمل على عاتق يده اليمنى إخراج الأحياء من تحت ركام المنازل التي يُدمرها الاحتلال.
رجل شجاع
عامٌ ويزيد لم يكن خلالها المتطوع بجهاز الدفاع المدني “علي محمد عمر”، يتوانى لحظة عن إنقاذ حياة العالقين تحت ركام المنازل، يعدو بكل طاقته حتى في أيام عطله ليس سعيًا للموت، بل سباقًا لحصد أرواح بقيت تتنفس والفوز بها ناجية من حطام برميل متفجر.
لم يكن علي يعلم أنه سيكون حدثًا يهز كل من أنقذ أرواحهم وأخرجهم للحياة من جديد، لكن هذه نهاية رجل شجاع اعتاد مساعدة الناس فلم تبق منه إلا يده اليمنى شاهدة على إخلاصه في عمله، وشاهدة على صمت عالمي على إبادة يتعرض لها كل حي بالقطاع.
الشهيد رقم 87 من طواقم الدفاع المدني، بهذه الكلمات بدأ الرائد محمود بصل حديثه، عن تفاصيل حادثة كان بطلها أحد المتطوعين في سلك الدفاع المدني.
يقول: “جاء إنذار بوجود عالقين عقب استهداف الاحتلال منزل من ست طبقات يعود لعائلة غبون بحي الصبرة، لم ينتظر علي انتهاء الشارة، وسارع بالتوجه مع زملائه لنيل شرف إخراج الأحياء كما العادة”.
ويضيف “فور وصول الطاقم للمنزل المستهدف قام علي بانقاذ خمسة أطفال دفعة واحدة، ونقلهم إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، وما أن وضعهم بين أروقة المشفى حتى جاءه إنذار بوجود سيدة ما تزال عالقة هناك”.
هاجس الخوف من فقد الأطفال والدتهم حرك مشاعر الشاب العشريني، فأسرع بكل قوته آخذًا على عاتقه جمع شمل العائلة من جديد، لم يكن يعلم أن هذه السيدة ستكون رفيقته في الشهادة، شاهدة على أنه أدى عمله حتى الرمق الأخير.
“توجه علي للبيت المستهدف يضع أمام عينيه إنقاذ الأم والعودة بها لصغارها، وما أن وصل حتى وجدها عالقة بين الركام فأخذ يحاول الذود بها ناجية، إلا أن الاحتلال كان له رأي آخر”.
لحظات صمت
لحظات أعمى فيها غبار صاروخ طائرة مسيرة عيون زملاء علي عما حدث، صمت خيم على المكان، عدا صوت انفجار هز الحاضرين وصمّ آذانهم.
لم يفلح علي بإخراج السيدة وإنقاذها حتى أنه لم يخرج ليعلن استشهادها، ينظر الجميع علهم يُحيطون بشيء مما حدث يبحثون عن مكان الاستهداف لا يُريدون تصديق شعور تسلل لنفوس الجميع، بأن علي تم استهدافه بشكل مباشر ليرحل عن الدنيا أشلاء متناثرة لم يبقى من جسده سوى يده اليمنى التي عكفت على مساعدة الناس والنجاة بأرواحهم من هول دمار خطف قلوبهم.
بدأ الجميع يبحث هنا وهناك يُحاولون تجميع جسد العشريني لكن دون فائدة، فجسده أعلن تمرده وانتشر بكل مكان كان له بصمة في إخراج الأحياء أسفل ركام حرب الإبادة والتجويع.
لم يكن علي عمر القصة الأولى ولن تكون الأخيرة، فهو القصة 18 باستهداف مباشر لطواقم الدفاع المدني، والشهيد 87 من شهداء الخدمة الإنسانية.