20 عامًا على استشهاد عرفات.. والقاتل ما زال مجهولًا
السبيل – توافق يوم الاثنين، الذكرى السنوية الـ 20 لاستشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات “أبو عمار”، في العاصمة الفرنسية باريس.
وتأتي ذكرى رحيل أحد الرموز الوطنية للشعب الفلسطيني، فيما لا يزال القاتل مجهولًا ولغز وفاته غامضًا حتى يومنا هذا، ولم تُعلن لجان التحقيق نتائجها بعد.
رحل القائد الكبير “أبو عمار” الذي عرف بصلابته وقوته في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وأحد مؤسسي الحركة النضالية الحديثة، بثورة ارتبطت باسمه على مدى عقود.
رحيل غامض
ففي مثل هذا اليوم من العام 2004، تُوفي عرفات بعد فترة من وعكة صحية ألمت به، وأٌثيرت شبهات بإمكانية تعرضه للسم، غير أن ملفه الصحي في المستشفى الفرنسي العسكري الذي رقد فيه ترك الكثير من الغموض بشأن أسباب وفاته.
ونقل جثمانه من باريس إلى القاهرة ثم إلى رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، ودفن في مقر المقاطعة في تشييع شعبي مهيب، بعد رفض إسرائيلي لدفنه في القدس المحتلة.
ولد عرفات في مدينة القدس في 4 أغسطس/آب عام 1929، واسمه بالكامل “محمد ياسر” عبد الرؤوف داوود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.
ودرس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول في القاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقًا.
وشارك أيضًا مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الخمسينيات، وأصبح ناطقًا رسميًا باسمها في 1968، وانتخب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حمودة.
وألقى أبو عمار عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة “جئتكم حاملًا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
وبصفته قائدًا عامًا للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد “أبو عمار” خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي ضربته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يومًا انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة.
وحين سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن محطته التالية، أجاب “أنا ذاهب إلى فلسطين”.
ووقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ “أوسلو” بين منظمة التحرير وحكومة “إسرائيل” في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين، ودخل بقواته قطاع غزة والضفة الغربية منزوعة السلاح.
وفي العشرين من كانون الثاني/يناير 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسًا للسلطة الفلسطينية في انتخابات عامة.
ظروف استشهاده
وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي وتمسك عرفات بمواقفه، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2000، وحاصرت قوات الاحتلال عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية سميت بـ”السور الواقي”، وأبقت الحصار مطبقًا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.
وتعرض خلال حصاره في مقر المقاطعة بمدينة رام الله عام 2002، لخيانات من مقربيه ودس له السم.
عرفات الذي فارق الحياة في مستشفى “كلامار” العسكري في باريس في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، أكدت تقارير المستشفى أن وفاته جاءت نتيجة سم دخل جسمه، دون أن تتمكن من معالجته لصعوبة معرفة تركيبة ذلك السم.
وبعد وفاته شكلت حركة فتح لجنة تحقيق في ظروف استشهاده، ووضعت على رأس تلك اللجنة رئيس جهاز المخابرات توفيق الطيراوي، وإلى اليوم لم تقدم اللجنة نتائج تحقيقاتها، رغم تلميح بعض القيادات الفتحاوية أن قيادة فتح تعرف من شارك في جريمة إدخال السم لعرفات.
وكان بسام أبو شريف المستشار السياسي لعرفات شدد على أن عباس أعلن في وقت سابق أنه تعرف على المتورطين في اغتيال عرفات والأداة المستخدمة في الاغتيال، لكن دون الإفصاح العلني.
وأكد أبو شريف، في تصريحات صحفية سابقة، أن صمت السلطة وحركة فتح ولجنة التحقيق عن إعلان القاتل يثير الشك ويدلل على عدم وجود رغبة لديهما بالكشف عن هويته “وقد يشي ذلك بإخفاء أشياء أخرى عن الحادثة”.
وانتقد صمت اللجنة المختصة في الكشف عن القاتل الحقيقي لعرفات، مطالبًا إياها بضرورة إعطاء النتائج التي توصلت إليها، وعرضها أمام الشعب الفلسطيني.
محاضر التحقيق
وحصلت وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا) على نسخ من محاضر التحقيق مع شخصيات رفيعة في السلطة بملف اغتيال الرئيس الراحل عرفات.
وكشفت الوثائق التي نشرها وكالة “صفا” على حلقات، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010.
وأصدر الطيراوي في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بيانًا أكد فيه أن وثائق تحقيق تتعلق بوفاة عرفات “تمت قرصنتها وتسريبها”.
وشدد الطيراوي على أن تلك الوثائق “سرية لضمان سلامة سير التحقيق، إلى حين الوصول إلى الحقيقة الكاملة” المتعلقة بأسباب وفاة عرفات.
وتوفي ياسر عرفات “أبو عمار” في مشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار الإسرائيلي له في مقر المقاطعة برام الله وسط الضفة الغربية، فيما تم تشكيل لجنة التحقيق بعد مرور ست سنوات على اغتياله.
وفي آذار/مارس 2023، نشرت منصة “أيقونة الثورة” الإلكترونية لائحة الاتهام المتعلقة بأسماء المجرمين الذين كان لهم علاقة مباشرة في جريمة اغتيال الرئيس “أبو عمار”.
وجاء في المقطع المصور الذي نشرته المنصة أن المتورطين في اغتيال الراحل عرفات هم كلٌ من: الرئيس محمود عباس وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ وأحد أعضاء حركة فتح رمزي خوري.
وبعد ست سنوات على اغتياله، كشفت قناة “الجزيرة” في تحقيق استقصائي لها عن إمكانية وفاة عرفات بمادة البولونيوم المشعة.
وكان محققون فرنسيون استخرجوا رفات الراحل عرفات في نوفمبر، في محاولة لمعرفة سبب وفاته، إلا أن لغز وفاته لم يُحل بعد تعدد فرضيات ذلك.
وأشار القضاة الفرنسيون المكلفون بالتحقيق في “الاغتيال”، والذي بدأ بطلب أرملته سهى عرفات أعلنوا إغلاق الملف وقد استأنفت عليه.
لكن الخبراء المكلفين من القضاة الفرنسيين استبعدوا مرتين فرضية التسمم.
وقال الخبراء الروس أن وفاة عرفات هي “موت طبيعي”.
وعلى العكس من ذلك، قال خبراء سويسريون استشارتهم أرملة عرفات أن نتائجهم “تدعم فرضية التسمم” بالبلوتونيوم.
وفي تصريحات لها في أيلول/ سبتمبر 2022، أعلنت سهى عرفات “استعداد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى فتح تحقيق في قضية اغتيال ياسر عرفات”، متهمة قيادات في السلطة بالضلوع في التخطيط والتدبير لعملية الاغتيال.
وقالت: “ستكون هناك قصة كبيرة، وسأعرف من وضع السم في جسم ياسر عرفات”..
لقد رحل عرفات قبل 20 عامًا بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليًا ومنجزات وطنية ما زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف.