الأخبار

أين الله عمَّا يحدث من إجرام؟

أكتوبر 10, 2024 12:17 م
عبد الرحمن نجم

عبد الرحمن نجم

إنَّ الذي يَفْترض على الله ضرورة إنزالِه العقاب، وتعجيلِه فورًا بحق المجرمين، إنما يسيء الأدب مع الله؛ بجعله الخالق عز وجل مُشابهًا لِخَلْقه في الاستجابة للغضب؛ أيْ: في صفات الانفعال والاندفاع والاستفزاز؛ فالرجل إذا تُحُدِّي في شيء، أو سُبَّ والده أو شرفه فإن ذلك يُغْضِبه، ويُحرِّضه على الانتقام، أو يستفزه بقبول التحدي، أو رد الشتيمة بمثلها، بينما الله تعالى الذي ليس كمثله شيء لا يندفع بمثل تلك العاطفة والانفعال البشري مثل سائر خلقه؛ لأنه منزه عن الشبيه والمثيل والنظير، فلا يُشبه في صفاته أحدًا من خَلْقه البتة، وهذا ينسحب على صفات الله التي أثبتها لنفسه في القرآن والسنة، كما أنه ينسحب على معاني أسمائه الحسنى، فـ”المنتقم” الذي هو اسم لله لا يعني الانتقام الذي في مفهوم البشر، وكما قال الأُصوليون: “كل ما خطر ببالك؛ فالله بخلاف ذلك”.
ولا ريب في أن البحث في الحكمة الإلهية يزيد اطمئنان القلب، ولكنه إنْ تَحَول إلى استجواب لإرادة الله؛ فإن معناه أنك تَنْزَلق إلى ساحة السؤال غير اللائق عن: حَقِّ الله في التشريع! فالله لا يُسْأل عما يفعل.
ينسى السائل المتوجع ما يأتي:
١- هذه كلها هي سبب وجود يوم القيامة؛ فلو أن الله انْتصفَ لكل مظلوم من ظالمه في الدنيا، لَمَا كان ثمة حاجة إلى يوم للحساب أصلًا “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ” [إبراهيم: 42].
٢- ينسى السائل أن الدنيا أساسًا دار اختبار، لا دار حساب، وأن المُجَازاة الكاملة على العمل فيها مُؤجَّلة إلى لحظة الموت، ثم القيامة لكل أحد (الذي خلق الموت والحياة؛ “لِيَبْلُوَكم” أيكم أحسن عملًا ..) [الملك: ٢].
لم نسمع يومًا أن أستاذًا أعطى طالبًا نتيجته النهائية قبل انتهاء الامتحان. وفي أثناء تقديم الامتحان لا يحق للطالب أن يطالب أستاذه بترسيب فلان فورًا، أو معاقبته فورًا خلال وقت الامتحان؛ لكونه يُشوش على الممتحنين، ويَستخف بالامتحان، أو يغش فيه، أو يسب الأستاذ والمدرسة! هذا شُغْل الأستاذ، لا شُغْل الطالب، فالقاعدة تقول بأن حساب الطلاب كلهم سيكون بعد انتهاء وقت الاختبار، أو بحسب ما يراه الأستاذ وحده مناسبًا.
٣- هَلَك في شِعْب أبي طالب بالجوع والعطش والحر والبرد والمرض: رُضع وأطفال ونساء وشيوخ ورجال ونساء، ولم يروا فتح مكة، ماتوا على الإيمان بالغيب وحسب.
٤- ثِق أن لله تدبيرًا وتَصْريفًا لطيفًا حكيمًا للأحداث، محجوبًا عن استيعاب أفهامنا وعواطفنا؛ لكوننا لا نراه قبل أن يقع، ومن صور هذا التدبير “السننُ الإلهية”؛ إذ ثمة عوامل تَسبِق إهلاك المجرمين كَشَفَها لنا القرآن لنعلمها كقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً “أَمَرْنَا” مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، فمِن معاني الفعل “أَمَر أو أَمَّر”: كَثَّرَ. وعليه؛ أَمَرنا: أيْ كَثَّرنا.
5- لولا أن “الغيب” غائب عن الحواس الإدراكية والمعقولات؛ لَمَا كان “الإيمان بالغيب” أحد أركان الإيمان الستة، لذلك هو أصعب امتحانات المسلم، إنه أن تثق بالله فـ: تُصَدِّقه وترضى به، فلا تُخْضِع هذا الغيب لقوانين مادية لا تصلح لغير عالم المادة والحواس، فما للمادة لا يصلح لغيرها.
6- “إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ ..” [الحج: 38]، رغم كل ما سَبَقَ ذكره، فإنَّ الله تعهد بإنصاف المظلومين في الدنيا قبل الآخرة، وبأنْ لا يجعل موتهم يضيع هباءً، وبأن تكون مآسيهم ودماؤهم مُحْيِية للأرواح الميتة (زيادة أعداد الداخلين في الإسلام، انكشاف حقيقة الحثالة أمام شعوب الغرب، سقوط الأقنعة عمّن كانوا قدوات دينية مُزيَّفَة ..إلخ).
7- داخل كل شر يقبع خير كبير عميم، فمجيء الخير مرهون بوقوع الشر، وهذا الشر هو لكشف حقيقة الأشخاص للأمة، وللتمحيص والتطهير ورفع الدرجات، وللتمهيد لمراحل قادمة “.. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” [يوسف: 21].

مواضيع ذات صلة
سوريا بلا آل الأسد بين الآمال والأخطار
سوريا بلا آل الأسد بين الآمال والأخطار

ديسمبر 8, 2024 6:52 م

انتهى عهد عائلة الأسد بطريقة دراماتيكية، وهام هم السوريون يتنفسون هواء بلا رقابة من الأجهزة الأمنية التي أبدع في إنشائها...
أين اختفى سهيل الحسن مرتكب جريمة البراميل المتفجرة؟!
أين اختفى سهيل الحسن مرتكب جريمة البراميل المتفجرة؟!

ديسمبر 8, 2024 4:30 م

الجميع يبحث عنه، أين اختفى مرتكب جريمة البراميل المتفجرة ومجزرة الغوطة، هل غادر سوريا مع باقي قادة النظام، أم أنه...
الهزيمة ورقة الأسد الاخيرة في دمشق
الهزيمة ورقة الأسد الاخيرة في دمشق

ديسمبر 7, 2024 8:14 م

البعض يستعد لمرحلة ما بعد الأسد وآخرون يبحثون عن مكان في هذه المرحلة والاسد يلوح بورقة الهزيمة من دمشق كما...
سوريا والأسئلة الحائرة
سوريا والأسئلة الحائرة

ديسمبر 7, 2024 4:45 م

الأحداث تتسارع في سوريا بشكل كبير، بحيث لم يعد السؤال هو ما الذي جرى وكيف؟ بل أصبح السؤال: إلى أين...
“انتفاضة الحجارة” انطلقت من جباليا وأعادت اكتشاف الفلسطينيين
“انتفاضة الحجارة” انطلقت من جباليا وأعادت اكتشاف الفلسطينيين

ديسمبر 7, 2024 3:28 م

وكان أن اكتشف الفلسطينيون أحد أسلحتهم السرية، وهي الحجارة، السلاح الوحيد المتاح أمامهم في مواجهة آلة القتل الصهيونية.لذلك لم يكن...
منتصف الطريق نحو الصفقة وامتار نتنياهو الاخيرة
منتصف الطريق نحو الصفقة وامتار نتنياهو الاخيرة

ديسمبر 5, 2024 7:18 م

منتصف الطريق نحو صفقة وقف إطلاق النار تم قطعه بالتوافق المعلن في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية والسلطة في رام الله...