نتنياهو البائس الذي أورد كيانه المهالك
كاتب المقال : عبد الله المجالي
كان يطمح أن يصبح “الملك”، كيف لا وقد حقق ما لم يحققه أحد قبله.
فهو يتميز بخبث ودهاء سياسي بزّ فيهما أقرانه الصهاينة، وهو أكثر رؤساء وزراء الكيان حكما منذ تاريخ إنشائه، وفي عهده تم دفن ما يسمى “حل الدولتين”، وفي عهده تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتم الاعتراف الأمريكي بضم الجولان للكيان، وفي عهده اتسعت المستوطنات، وأهم منجزاته كانت تحقيق استراتيجيته التي تقضي بأن التطبيع مع الدول العربية يجب أن لا يمر عبر تنازلات في القضية الفلسطينية، وهو ما أحدثه في ما يسمى “اتفاقات أبراهام”، وتبعا لإنجازه ذاك كان يأمل بالجائزة الكبرى وهو انضمام السعودية لتلك الاتفاقات ما يتيح انضمام دول إسلامية كبرى لها مثل إندونيسيا وباكستان، في حين يقبع الفلسطينيون في الزاوية يلعقون جراحاتهم ولا أحد يأبه لهم.
فلا غرو إذاً أن يحلم أن يتوج “ملك إسرائيل” وحكيمها، وأن يوضع في مصاف ملوك ممالك “إسرائيل” كداود وسليمان وطالوت!!
هذا هو الإرث الذي كان يحلم الخبيث الداهية نتنياهو أن يتركه، لكن يتضح الآن أنه سيترك كوارث كبيرة على الكيان.
فقد جلب نتنياهو اليمين الديني المتطرف المتخلف لسدة الحكم لأول مرة في تاريخ الكيان، وهو الذي كان على الهامش، وقد جلب معه هذا اليمين كل الشرور.
مع جلب اليمين الديني المتخلف عمّق الانقسام بين فئات المجتمع الصهيوني الذي وصل ذروته بتبنيه خطة التعديلات القضائية، وتظاهر الصهيوني ضد الصهيوني.
الكارثة الكبرى التي جلبها نتنياهو للكيان هي الصفعة القوية التي تلقاها الكيان في السابع من أكتوبر 2023، وهي أقسى ضربة يتعرض لها منذ إنشائه.
ورغم أن نتنياهو لا زال يحاول التملص من المسؤولية عن تلك الصفعة إلا أن أي تحقيق مستقل سوف يظهر أن الهجوم المفاجئ كان بسبب وقوعه في فخ الخداع الاستراتيجي الذي نصبته له حركة حماس، حيث ظن البائس أنه يمارس لعبة ذكية بتعميق وتأبيد الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة وبين فتح وحماس، ظنا منه أن حركة حماس تحولت فعلا إلى حركة سلطوية همها رفع الحصار عن غزة، واعتقد أن كل القوة التي تراكمها حماس هي للدفاع عن سلطتها في غزة، ولذلك ظل يمارس سياسة الحصار المتحكم به، وفتح ثغرة فيه من خلال أموال قطر، وظل يريد غزة ضعيفة في وجه الكيان قوية في وجه فتح والسلطة. لكن حماس خدعته وأثبتت أنها حركة مقاومة وتحرر وطني وليست حركة سلطوية.
لم يكن سلوك الكيان وأجهزته الأمنية تجاه حماس قبل السابع من أكتوبر إلا انعكاسا للغرور الذي استولى على نتنياهو، وأنه ممسك بكل خيوط اللعبة، لكنه أورد كيانه المهلكة حين كاد أن يسقط لولا مسارعة حلفائه لمساندته للوقوف على قدميه.
لم يجلب البائس كارثة الصفعة والانهيار السريع لقواته فحسب، بل جلب لهم لاحقا برده على الهجوم، الذي لخص بشهوة الانتقام وممارسة الإبادة الجماعية، كارثة أكبر، حيث بات الكيان معزولا سياسيا في الأمم المتحدة، وباتت الصهيونية في قفص الاتهام في العالم، وباتت السردية الصهيونية محط نظر بعد أن كانت قيمة مطلقة لا يمكن مناقشتها، ورغم أنها لا زالت قيمة مطلقة في أروقة الحكم الغربية والإدارات العليا وبعض النخب، إلا أن السردية الفلسطينية باتت في صعود، وهذا ما كان يعمل ضده نتنياهو طوال حياته السياسية!
لقد جلب نتنياهو السردية الفلسطينية إلى الساحة الدولية، حيث نمت بسرعة مذهلة طيلة الأحد عشر شهرا الماضية، وباتت في بعض المناطق الغربية تنافس السردية الصهيونية؛ في الجامعات على سبيل المثال. حتى في عقر دار حلفائه بل أولياء نعمته، صعدت السردية الفلسطينية. الحرب الأوكرانية مثلا لم يكن لها أي صدى في الانتخابات الأمريكية، ولا حتى الصين أو أي ملف آخر، وحده العدوان الهمجي البربري الذي يقوده البائس نتنياهو على غزة كان له صدى في الانتخابات الأمريكية، لدرجة أن مراقبين اعتبروه أحد أسباب هزيمة الديمقراطيين المدوية، بل إن بعضهم اعتبره أحد الأسباب الرئيسية. من كان يتخيل ذلك؟! لولا الكارثة التي جلبتها سياسات البائس على الكيان.
لقد جلب نتنياهو بحربه الهمجية الكيان لمحكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وقد بات قريبا من العزلة الكاملة في الأمم المتحدة حين تصوت الجمعية العامة على طرده من الأمم المتحدة؛ صحيح أن القرار لن ينفذ لأنه يحتاج إلى مصادقة مجلس الأمن الذي سيكون فيه الفيتو الأمريكي والبريطاني والفرنسي بالمرصاد، لكن أي كارثة تحل على الكيان بهذا العزل المعنوي.
آخر الكوارث وأعظمها في سجله البائس، كانت صدور مذكرة اعتقال له من المحكمة الجنائية الدولية. لقد أصبح مطلوبا دوليا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لقد أصبح مجرما بختم دولي. لقد انضم إلى قائمة العار الدولية، وأصاب معه كيانه بهذا العار.
صحيح أن الصهاينة يلقون باللوم على المحكمة ذاتها وليس على البائس نتنياهو، لكن هذا الأمر لن يطول، وسيستخدم ضده داخليا في لحظة ما، وخصوصا في أي انتخابات قادمة، حيث لن يفضل الصهاينة شخصية معزولة ولا يمكنها التواصل مع كل العالم.
الأخطر بالنسبة للكيان وطموحات البائس، هو أن مشاريع التطبيع التي يحلم بها قد لا تتم في عهده، وحتى لو استمرت المساعي، وهي ستستمر، لجلب السعودية لمربع التطبيع، فإن من الصعوبة بمكان أن توقع الرياض تطبيعا مع مجرم دولي مطلوب للجنائية الدولية. صحيح أن السعودية تعاملت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم صدور مذكرة اعتقال بحقه، إلا أن الأمر يختلف تماما مع البائس نتنياهو، فالجريمة المتهم بها هي قتل الأشقاء الفلسطينيين، ولا أعتقد أنه يمكن تبرير الجلوس مع نتنياهو أو التوقيع معه اتفاقية تطبيع إلا إذا كان الثمن المطلوب باهظا جدا، وأشك في أن البائس يمكن أن يقدم على دفع ذلك الثمن.
البائس الذي يتفاخر بعقده اتفاقيات تطبيع مع دول عربية دون تقديم تنازلات في ملف حقوق الفلسطينيين، بات الآن لا يستطيع أن تطأ قدماه أيا من تلك الدول، فكيف تستقبل تلك الدول مطلوبا للجنائية الدولية ملطخة يداه بدماء الفلسطينيين، لا بل إن الاتصالات معه يمكن أن تتأثر أيضا.
هذا البائس كم جلب كوارث لكيانه!!