“انتفاضة الحجارة” انطلقت من جباليا وأعادت اكتشاف الفلسطينيين

وكان أن اكتشف الفلسطينيون أحد أسلحتهم السرية، وهي الحجارة، السلاح الوحيد المتاح أمامهم في مواجهة آلة القتل الصهيونية.
لذلك لم يكن غريبا أن يطلق على الانتفاضة الفلسطينية الأولى، انتفاضة الحجارة، حيث كانت الحجارة أداة الهجوم والدفاع التي استخدمها المقاومون ضد عناصر جيش الاحتلال الذي مارس سياسة تكسير العظام بناء على تعليمات سيء الذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي أسحق رابين، كما عرف الصغار من رماة الحجارة بأطفال الحجارة.
وأعلن رابين خلال كلمة في الكنيست: “سنفرض القانون والنظام في الأراضي المحتلة، حتى ولو كان يجب المعاناة لفعل ذلك”. وأضاف قائلا “سنكسر أيديهم وأرجلهم لو توجب ذلك”.
بدأت الانتفاضة يوم 8 كانون الأول / ديسمبر عام 1987، وكان ذلك في جباليا، ثم انتقلت إلى مخيم جباليا وبعدها إلى خان يونس والبريج والنصيرات ومن ثم غطت كل القطاع وانتقلت بعد ذلك إلى الضفة. ثم إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين.
كانت أحد أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على الوضع العام بالمخيمات وعلى انتشار البطالة وإهانة الشعور الوطني والديني والقمع اليومي الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين.
استمر تنظيم الانتفاضة من قبل القيادة الوطنية الموحدة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد.
ويعود سبب الشرارة الأولى للانتفاضة لقيام سائق شاحنة صهيوني بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز “إريز/معبر بيت حانون”، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وصلت الانتفاضة إلى أعلى مستوى لها عندما نشر مصور إسرائيلي صور جنود يكسرون أذرع فلسطينيين عزل باستخدام الحجارة في نابلس عملا بما هدد به رابين. ودارت تلك الصور حول العالم مما أثار مشاعر التعاطف مع الفلسطينيين. أما الاحتلال فقد قام بسياسة تهميش منظمة التحرير ومحاولة الإيقاع بين حركة حماس والفصائل الأخرى.
هدأت الانتفاضة في عام 1991 بعد دخول منظمة التحرير الفلسطينية في وفود مؤتمر مدريد عام1991، وتوقفت نهائيا مع توقيع “اتفاقية أوسلو” بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.
يقدر أن 1,300 فلسطيني استشهدوا أثناء أحداث الانتفاضة الأولى على يد الجيش الإسرائيلي، كما قتل 160 إسرائيليا على يد المقاومة.
استعمل مصطلح “الانتفاضة” للمرة الأولى لوصف الثورة الشعبية الفلسطينية في أول بيان صدر عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي تم توزيعه لأول مرة في غزة يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر عام 1987، وأطلق البيان لفظ “الانتفاضة” على التظاهرات العارمة التي انطلقت. وجاء في البيان: “جاءت انتفاضة شعبنا المرابط في الأرض المحتلة، رفضاً لكل الاحتلال وضغوطاته، ولتوقظ ضمائر اللاهثين وراء السلام الهزيل، وراء المؤتمرات الدولية الفارغة”.
دخل المصطلح ميدان الصحافة العربية والغربية التي تناقلته بلفظه العربي حتى في داخل الوسط الإسرائيلي حيث ألف الصحفيان زئيف شيف وإيهود يعاري كتاباً عن هذه الفترة التاريخية وأسمياه “انتفاضة”.
حققت الانتفاضة الأولى نتائج سياسية غير مسبوقة، إذ تم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني عبر الاعتراف الإسرائيلي الأميركي بسكان الضفة والقدس والقطاع على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، كما أنها دفعت بكيان العدو إلى البحث عن “حل” عبر التفاوض رسميا مع منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها الراحل ياسر عرفات.
فتحت “الانتفاضة” عيون العالم على معاناة وواقع الشعب الفلسطيني الذي غيب تماما عن المشهد منذ عام 1948، تاريخ بدء الصراع الحقيقي، وليس بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.