ما بين هايمان وأوستن.. عام وشهران من الهروب الإستراتيجي
كاتب المقال : حازم عياد
بعد اسابيع قليلة من اطلاق الاحتلال الاسرائيلي حملته العسكرية على قطاع غزة، خرج وزير الحرب الامريكي الجنرال لويد اوستين محذرًا الاحتلال من هزيمة إستراتيجية تلوح في الأفق.
اليوم بعد اكثر من 13 شهرًا من القتال الذي امتد الى لبنان واليمن والعراق وسوريا وايران، خرج الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال (أمان) الجنرال تيمير هايمان مدير معهد الأمن القومي ( INSS) التابع لجامعة تل أبيب في مقال على موقع “القناة 12” العبرية ليحذر من تآكل الامن القومي الاسرائيلي في حال مواصلة الحرب على قطاع غزة، فكيف الحال بلبنان واليمن والعراق وايران، والأهم جبهة الضفة الغربية التي باتت على وشك الانفجار، وهي جبهات لم يُدْخِلها هايمان في حساباته؛ خشية إثارة الذعر والكشف عن معالم الهزيمة المرتقبة.
يبحث قادة الاحتلال عن نصر في لبنان وقطاع غزة، ويبحثون في الآن ذاته عن حسم مطلق في الضفة الغربية ينهي الاسئلة الوجودية حول طبيعة العلاقة التي تربطهم بالقدس المحتلة وغور الاردن والإقليم برمته.
يبحثون عن نصر على إيران يؤكد تفردهم وزعامتهم للمنطقة بدون منافس حتى من تركيا، فهي تقع في دائرة الاستهداف وفقا لهذه الرؤية، فلم تغب أنقرة عن أعين قادة الاحتلال ومُنَظِّريهم.
الطموحات الكبيرة أغرقت الاحتلال في واقع أمني معقد لا تقتصر تفاعلاته وتداعياته على جبهات القتال؛ فهذا الواقع يتفاعل بقوة داخل بنية العالم العربي والاسلامي، بل في البنية السياسية والامنية الدولية وتلك التي تمثل مرجعية للاحتلال وداعمي وجوده في المنظومة الغربية.
طموحات وزير المالية سموتريتش ووزير الامن القومي بن غفير ورئيس الوزراء نتنياهو السياسية والعقائدية، وبحث قادة المعارضة: بيني غانتس ولابيد وليبرمان عن الأمن المطلق والهيمنة في المقابل تغذي وتطيل أمد الحرب، وتعقيد بيئة الاحتلال الامنية التي لا زلت تراهن فيها على الولايات المتحدة، وقدرتها على بناء التحالفات والشراكات الاقليمية لتعويم الاحتلال، وتتويجه كقوة إقليمية متفردة في غرب آسيا والمشرق العربي؛ ما أفضى الى مزيد من الاعتماد على واشنطن على نحو يشابه ما آل اليه الحال بالمستوطنين الفرنسيين والاوربيون في الجزائر خلال ثورة التحرير.
طموحات الاحتلال لا يمكن تحقيقها عبر المفاوضات، او وقف اطلاق النار؛ فهي نقيض لها، كما أنها في الآن ذاته لا يمكن تحقيقها بمواصلة القتال والمواجهات؛ فهي استنزاف لوجود الكيان وبقائه، وتحطيم لطموحاته، فالكيان الاسرائيلي الطرف الوحيد العالق في الاقليم بمواجهات مع تنظيمات وفصائل وحركات تحرر لبنانية وفلسطينية في حرب عاجز عن حسمها، مهيئاً بأدائه العسكري والسياسي البيئة الاقليمية لتخلق المزيد منها.
وهنا يطرح السؤال: لماذا تفاوض اميركا؟ وعماذا تبحث عندما ترسل وسطاءها ومبعوثيها إلى المنطقة: هل تبحث عن طوق نجاة، أم عن صورة نصر، أم عن شركاء ليقاتلوا بالنيابة عن الكيان المحتل؛ هروبًا من الهزيمة الاستراتيجية التي تحدث عنها أوستن، والتآكل المتواصل للامن القومي للاحتلال الذي اشار اليه هايمان؟
سؤال ستبقى الإجابة عنه مفتوحة وغامضة؛ فالسؤال بحد ذاته يعكس ازمة الولايات المتحدة والاحتلال، وعجزهما عن الحسم السياسي والعسكري الذي تحول الى إستراتيجية هروب متواصل إلى الأمام عبر مناروات لا نهائية لإشعال المنطقة، وتقويض الوجود الاسرائيلي والنفوذ الامريكي.