شمال غزة.. معركة استنزاف ومأزق سياسي للاحتلال
السبيل – خاص
تصاعدت وتيرة الانتقادات في الإعلام الإسرائيلي للعمليات العسكرية الجارية شمال قطاع غزة، مع تركيز واضح على التكلفة الباهظة بشرياً وسياسياً، مقابل إنجازات محدودة على الأرض.
ومع استمرار المعارك، وتصاعد الضربات التي وجهتها مقاومة الشمال للاحتلال خلال الأيام القليلة الماضية؛ تعالت أصوات المحللين والقادة العسكريين مطالبة بوقف النزيف الذي يتعرض له جيش الاحتلال، والبحث عن حل سياسي ينهي الحرب ويعيد الأسرى.
وأشار محلل الشؤون العسكرية في القناة 13 العبرية، ألون بن ديفيد، إلى أن الجيش الإسرائيلي خسر 27 جندياً منذ بدء العمليات العسكرية شمال غزة، لافتاً إلى أن الآلاف من عناصر حركة المقاومة لا يزالون نشطين.
وأكد بن ديفيد أن العمليات تشبه ما حدث في جنوب لبنان خلال التسعينيات، حيث استمر “نزيف متواصل مقابل إنجاز محدود نسبياً”.
من جهته؛ انتقد عضو الكنيست عن حزب الليكود، عميت هاليفي، طريقة إدارة الحرب، مشيراً إلى أن ما يحدث في غزة ليس حرباً بالمعنى الاستراتيجي، بل سلسلة عمليات محدودة غير قادرة على تحقيق نتائج حاسمة.
وقال في حديث للقناة 13 العبرية: “كل ما قمنا به حتى اﻵن في قطاع غزة هو عمليات اقتحام محدودة.. هذه خطة رزمة عمليات محدودة، والحرب ﻻ تكون كذلك”.
أما عضو الكنيست السابق، ميكي روزنتال؛ فاتهم حكومة نتنياهو بعدم السعي لإنهاء الحرب؛ لأنها تدرك أن ذلك قد يعني نهاية حكمها.
وقال: “إنهم يمارسون الخداع علينا، فيقولون إن هناك حربا مفروضة علينا، لكن ﻻ توجد حرب مفروضة، لقد أنهينا المهام في قطاع غزة، ويجب التوصل لتسوية ما تنهي هذا النزيف الفظيع”.
من جانبه؛ أكد قائد الفيلق الشمالي السابق، نوعام تيبون، أن استعادة الأسرى هي الهدف الأول للحرب، مشيراً إلى أن عدم تحقيق ذلك سيُعد لطخة في التاريخ الإسرائيلي.
واعتبر تيبون أن الحل الوحيد هو إنهاء الحرب، حتى لو كان الثمن باهظاً.
المقاومة تغير قواعد اللعبة
وتظهر هذه التصريحات بشكل واضح تأثير المقاومة الفلسطينية في تغيير قواعد اللعبة شمال غزة، حيث نجحت في إرهاق الجيش الإسرائيلي وتحويل العمليات العسكرية إلى نزيف مستمر دون تحقيق أهداف استراتيجية ملموسة.
وتعكس قدرةُ المقاومة على استنزاف القوات الإسرائيلية، سواء عبر العمليات الميدانية أو استمرارية وجودها رغم القصف المكثف، مرونة تكتيكية وإصراراً جعل الاحتلال يدرك أن المعركة لن تُحسم بسهولة.
ليست المقاومة مجرد طرف في المعادلة العسكرية، بل أصبحت عاملاً رئيسياً يعيد تشكيل النقاش السياسي داخل إسرائيل، حيث تشير الضغوط الناجمة عن استمرار الخسائر وتزايد الانتقادات الداخلية؛ إلى تأثير المقاومة في زعزعة الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. فبينما تُبدي إسرائيل استياءً من كلفة الحرب، لا تزال المقاومة تثبت أن الكلفة السياسية والمعنوية للاحتلال تفوق أي مكاسب يمكن تحقيقها ميدانياً.
ويجعل هذا الواقعُ المقاومةَ قوةً تدفع إسرائيل نحو مفترق طرق؛ إما الاستمرار في مواجهة طويلة الأمد ذات تكلفة مرتفعة، أو القبول بتسوية تُظهر المقاومة كطرف منتصر، لا سيما إذا تضمنت شروطاً واضحة مثل وقف العدوان أو الانسحاب.
ويبرز صمود المقاومة كعامل يفرض نفسه على الحسابات الإسرائيلية، مؤكداً أن إرادة الشعوب لا تُكسر بالقوة العسكرية وحدها، وأن الاحتلال، مهما طال، لا يستطيع فرض هيمنته على شعب يقاوم.