ما الذي بإمكان الأنظمة العربية أن تقدمه لإنقاذ غزة؟
السبيل- خاص
تقف غزة اليوم على أعتاب كارثة إنسانية هي الأسوأ في تاريخها، حيث تُستهدف المنازل والمستشفيات والمدارس، وحتى الملاجئ، دون هوادة.
وتُرتكب جرائم إبادة جماعية بحق سكان القطاع المحاصر، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي وتواطؤ دولي، وصمتٍ عربي يكاد يكون مطبقاً، ما يطرح سؤالاً ملحاً: ما الذي يمكن للأنظمة العربية تقديمه لإنقاذ غزة؟ ولماذا لم تقم بذلك حتى الآن؟
الإمكانات المتاحة للأنظمة العربية
تمتلك الأنظمة العربية العديد من الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية التي يمكن أن تشكل دعماً حقيقياً لغزة إذا تم تفعيلها بجدية وإرادة سياسية واضحة.
الدعم السياسي والدبلوماسي
- التحرك داخل المنظمات الدولية:
الأنظمة العربية قادرة على استخدام عضويتها في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية لإثارة ملف جرائم الحرب الإسرائيلية، ويمكنها الدفع نحو إصدار قرارات دولية تُدين العدوان الإسرائيلي، وتطالب بحماية المدنيين، وتفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الاحتلال. - توحيد الخطاب السياسي:
تتطلب المرحلة توحيد المواقف العربية في مواجهة “إسرائيل”، من خلال القمم العربية والمؤتمرات الدولية، ما سيعزز من ثقل القضية الفلسطينية، ويضغط على الأطراف الدولية الداعمة لـ”إسرائيل”. - استخدام العلاقات مع القوى الكبرى:
يمكن للأنظمة العربية التي تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي الضغط سياسياً لإيقاف الدعم الإسرائيلي، على الأقل في الجانب العسكري.
الدعم المالي والإغاثي
- إنشاء صندوق إغاثة دائم:
يمكن للدول العربية الغنية، خصوصاً دول الخليج، إنشاء صندوق إغاثي دائم لدعم الشعب الفلسطيني. ويمكن لهذا الصندوق أن يُموّل شراء الإمدادات الطبية، والغذائية، وتوفير الأموال لإعادة الإعمار بعد انتهاء العدوان. - التبرعات الشعبية المنظمة:
بإمكان الحكومات العربية تفعيل مبادرات لجمع التبرعات الشعبية من مواطنيها، وهي وسيلة أثبتت فعاليتها في أوقات الأزمات السابقة.
الدعم العسكري والأمني
- تعزيز المقاومة الفلسطينية:
فدعم المقاومة الفلسطينية، سواء مالياً أو لوجستياً أو حتى عسكرياً، هو حق مشروع في ظل القانون الدولي، حيث إن الشعب الفلسطيني يُقاوم احتلالاً غير شرعي، ومع ذلك فلا تجد في قاموس الأنظمة العربية اليوم أي كلمة عن دعم المقاومة! - الضغط لوقف تصدير السلاح لـ”إسرائيل”:
يمكن للدول العربية الضغط على الدول المصدرة للسلاح إلى “إسرائيل”، وفضح تلك الصفقات في المحافل الدولية، مما يُشكّل ضغطاً اقتصادياً ومعنوياً على الاحتلال.
فتح الحدود وتسهيل الإغاثة
- فتح معبر رفح:
يُعتبر معبر رفح شريان حياة لسكان غزة. ويُعد فتح المعبر بشكل دائم لتسهيل عبور الجرحى والنازحين والمساعدات الإنسانية ضرورة لا تحتمل التأجيل. - إقامة مستشفيات ميدانية:
يمكن لمصر ودول عربية أخرى إنشاء مستشفيات ميدانية على الحدود لتقديم الرعاية الصحية العاجلة للجرحى الفلسطينيين.
الدعم الإعلامي
- كشف الجرائم الإسرائيلية:
بإمكان الإعلام العربي أن يتحول إلى أداة قوية لتوثيق الجرائم الإسرائيلية وفضحها أمام العالم. عدا عن ذلك؛ فإن توحيد الرسالة الإعلامية العربية يسهم في تشكيل ضغط شعبي ودولي ضد الاحتلال. - مواجهة التضليل الإعلامي:
يستخدم الاحتلال وسائل إعلام عالمية للتغطية على جرائمه. وتشكل مواجهة هذا التضليل من خلال تقديم الرواية الفلسطينية الحقيقية باللغات الأجنبية؛ دوراً محورياً على الإعلام العربي أن يضطلع به.
التبعات المترتبة على التقاعس العربي
لا يقتصر تقاعس الأنظمة العربية عن تحمل مسؤولياتها القومية والإنسانية في هذه اللحظة التاريخية على خذلان شعب يتعرض للإبادة، بل يُفضي إلى نتائج كارثية تمس القضية الفلسطينية برمتها، وتُلقي بظلالها على مستقبل المنطقة بأسرها.
فمن الكارثة الإنسانية المتفاقمة، إلى إضعاف شرعية القضية الفلسطينية، ومروراً بفقدان ثقة الشعوب العربية بحكوماتها؛ تصبح تداعيات هذا التقاعس أشبه بسلسلة مترابطة من الأزمات التي تهدد الأمن والاستقرار، ليس فقط في غزة، بل في العالم العربي ككل.
ومن أبرز هذه التداعيات:
- مفاقمة معاناة سكان غزة، وتركهم تحت وطأة المجاعة، والمرض، والدمار.
- إضعاف الموقف العربي المتخاذل الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وإظهارها كقضية محلية دون أبعاد دولية.
- التسبب بغضب واسع في الشارع العربي، مما يضعف الثقة بين الشعوب والأنظمة، ويُهدد استقرارها الداخلي.
ما العمل؟
لمواجهة التحديات الخطيرة التي تتعرض لها غزة والقضية الفلسطينية؛ لا بد من أن تتبنى الأنظمة العربية موقفاً موحداً وعملياً، يعيد إحياء العمل العربي المشترك، ويعزز دعم المقاومة الفلسطينية باعتبارها خط الدفاع الأول عن حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
وعلى الدول العربية أيضاً إعادة النظر في اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل”، وإنشاء صندوق دعم دائم يُمكّن الفلسطينيين من الصمود في وجه الإبادة الجماعية، سواء بتوفير الإمدادات الإنسانية أو دعم البنية التحتية للمقاومة، وإعادة هيكلة الإعلام العربي ليكون أداة فاعلة في فضح جرائم الاحتلال وتوضيح مشروعية المقاومة على المستوى الدولي، وتقديم القضية الفلسطينية بوعي واحترافية للرأي العام العالمي.
وأخيراً؛ يتطلب الموقف العربي اللجوء بجدية إلى المحاكم الدولية لدعم المقاومة قانونياً، عبر ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، ليكون ذلك أساساً لدور عربي حقيقي يناصر فلسطين، دون تردد أو تقاعس.
إن ما يحدث في غزة اليوم اختبار حقيقي للأنظمة العربية، فإما أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والإنسانية، أو أن تترك الشعب الفلسطيني لمصيره المأساوي تحت القصف والحصار، ولكن لا بد لها أن تعلم قبل ذلك أن التقاعس ليس مجرد فشل سياسي، بل وصمة عار في جبين أمة بأكملها، تتطلب وقفة جادة لإصلاح المسار واستعادة المبادئ.