خطة “الأكاذيب النبيلة”
كاتب المقال : عبد الرحمن نجم
عبد الرحمن نجم
لماذا يَخترع الغرب الكِذبة ثم يُصدقها؟!
تَبَلُّد الأحاسيس الغربية، ووفاة مروءتها تجاه مشاهد المحرقة العلنية لأهل غزة، في مقابل رَهَافة مشاعرها ورِقَّتها تجاه الكيان الصهيوني ليس جديدًا علينا، لكنه يَسْتحضر سؤالًا يتصل بعلم النفس السياسي: كيف لبشر مثلنا من لحم ودم ألا تُحرضهم صور العدوان الإسرائيلي، ومجازره الدموية، وأشلاء الأطفال الـمُمَزقة، على الوقوف إلى جانب الـمُذَبَّحين؟!
وبصيغة أوضح: لماذا يتعمد الغرب الكذب الفاضح، فيما لا كَذَب فيه، إلى حد التفنن الـمُزيَّف؟
حتى نفهم الأمر لابد أن نعرف كيف يفكر الغرب سياسيًا؛ ولذا ينبغي لنا الإلمام بالآتي بالتوازي مع استذكار كل مبررات حروب الألفية الثانية بدءًا من 11 سيبتمبر 2001 التي سَوَّغت غزو أفغانستان، ثم فِرية أسلحة الدمار الشامل في العراق 2003، وصولًا إلى تخريب “الربيع العربي” 2011 تحت غطاء الحرص على الديمقراطية في العالم العربي، وليس انتهاءً بزفة النِّياحة على المدنيين من كِلَا الجانبين مع كل عدوان على غزة (2009، 2012، 2014، 2021، 2023):
- تؤمن النخب الغربية والطغمة السياسية بـ”السياسة الواقعية” التي من ضمنها أنْ “لا علاقة بين الحرب والأخلاقيات”= المذهب النفعي.
- يؤمن الغرب بإستراتيجية “الأكاذيب النبيلة” –وفق التسمية الأفلاطونية- كجزء من العمل السياسي، وأن “النجاح يَغفر الكذب عندما يتعلق الأمر بالسياسة”، كما يقول جون جي. ميرشيمر في بحثه المعنون بـ”لماذا يكذب القادة: حقيقة الكذب في السياسة الدولية”.
- يقول البرفيسور ميرشيمر في البحث ذاته: “الكذب الدولي ليس بالضرورة فعلًا خاطئًا؛ فكثيرًا ما ينم على فِراسة، وقد يكون ضروريًا، بل فاضلًا في بعض الظروف”.
- بقراءة كتاب “الأمير” لنيكولو ميكافيلي، السياسي الإيطالي اليهودي، نجد أن تصريحات السياسيين وأفعالهم اليوم تطبيق عملي لِوَصَفاته ونصائحه النظرية التي تكلم فيها صراحةً عما يُسميه “العنف المقدس”؛ إذ يقول:
” مَن يَحتل مدينة حرة، ولا يقوم بتدميرها فإنما يحكم على نفسه بالهزيمة”.
“لا يمكن للأمير أن يتحرى الفضائل المحمودة؛ لأنه يكون مضطرًا من أجل الحفاظ على سلطانه إلى سلوك طريق معاكس للوفاء والإحسان والإنسانية والتدين”.
“لابد من التظاهر بالنزاهة والتدين مع ضرورة اللجوء إلى استعمال الشر عند الاضطرار”. - استنادًا إلى حقيقةِ أنَّ شرعية الدولة ترتبط بالظروف والملابَسات التي صاحبت وِلادتها؛ فإن “ولادة دُولهم جاءت من رَحِمِ الخطيئة!”، يقول ميرشيمر.
- بحسب ميرشيمر، فإن الأساطير الشوفينية سعت لتكريس هُوية مُصْطَنَعة لها، آخذةً بالحسبان النهج الآتي في سبيل تحقيق ذلك: “تقديس الذات، تنقيتها من الأخطاء، الإضرار بالآخر”.
- العولمة في محصلتها النهائية –كما ذكر د.عبد الله محمد الأمين في كتابه “الرؤية الإسلامية والمسألة الحضارية”- محاولةٌ لنفي “الآخر”؛ لأنها وفق التصور الغربي لها بالدرجة الأولى أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم.
- الحضارة الغربية المعاصرة تنطلق إما من: “مثالية” تجعل من الإنسان مركزًا للكون (مركزية الإنسان) أو إلهًا، أو “واقعية” تُؤَلِّه المادة، فتجعل من اللذة والمنفعة هدفًا وغاية بذاتهما= الواقعية السياسية.
- يقول علي عزت بيجوفيتش في كتابه الشهير “الإسلام بين الشرق والغرب”: “الأخلاق النفعية ليست أخلاقًا حقيقة؛ فهي تنتمي إلى السياسة أكثر من انتمائها لعلم الأخلاق”.