محاولة لفهم حالة عدنان إبراهيم
مارس 30, 2025 4:02 م
كاتب المقال : عبد الرحمن نجم

استمعتُ لسنوات للدكتور عدنان إبراهيم منذ ظهوره مِن على منبر أحد مساجد فيينا؛ بهدف تحليل خطابه، ودراسة مضامينه، فخلصتُ إلى أنه واقع تحت تأثير استشكالاته النفسية وليس المنهجية؛ بسبب ضعف مناعته النفسية، وهذا مصدر آرائه المأزومة المضطربة كلها تَترى؛ ذلك أن القارئ النهم يصل إلى مرحلة يكون فيها؛ إما:
- أسير المقروء بمآسيه وآلامه وفظاعاته وعَذَاباته؛ ما سينتج حالةً من استلاب الحرية النفسية، فيختل ميزان النظر العقلي لديه -لا محالة- مهما حاول مدافعة نفسه؛ إذِ النفسُ آخَذُ بتلابيب صاحبها من عقله (ضعف المناعة النفسية).
- مستقل النظر، حاكمًا على ما يقرأ، لا يتأثر به نفسيًّا (الحصانة من عدوى النص).
ولكن عدنان الذي هضم عقله كثيرًا من المعارف والنصوص، لم تقدر نفسُه على هضم حادثة تاريخية واحدة؛ فحُبِس بها، وأُحِيط بها!!
إن عدنان هاهنا يعد حالة نفسية لا معرفية؛ فهو شخص حاد الذكاء، عميق الاطلاع إلى حد الموسوعية بمعناها الحرفي، حاضر الحجة والاستظهار السريع لها، ولكنه في المقابل كان ضعيفًا أمام نَفْسِه؛ فأصيب بـ”اضطراب ما بعد الصدمة” من جراء جريمة اغتيال الحسين بن علي رضي الله عنهما (عقدة معاوية)، وظل حبيس تلك الصدمة المعرفية، ولم يتخلص من أغلالها حتى اليوم؛ ولذلك فإن عقله بكل ما حواه من مُطولات ومجلدات لن يستوعب أن القتل المستحر في غزة يسمى جهادًا وشهادة، وبيعةً مع الله على الدم مقابل الجنة؛ لأن مَن يعيش محبوسًا في دهاليز مأساة قتل رجل واحد قبل قرون، سيكون لا شك أعجز عن استيعاب ملحمة الحاضر على وضوحها؛ ولذلك عَدَّ “الطوفان” انتحارًا من طرف المجاهدين، وبيعًا منهم لأهلهم وناسهم!
إن أي تضحية بالنفس ستكون انتحارًا بالمعيار النفسي لديه؛ لأن رفض “التضحية بالروح مقتولًا قتلًا” بحد ذاتها لَازمةٌ قهريةٌ تَستبطن مأزقًا نفسيًّا لديه، فتستولي على أحكامه وتقييماته.
مِن أجل ذلك لم يقولوا من فراغ إن القراءة لا تنفع لكل أحد؛ لأن الاستعداد النفسي للتلقي قد يغير حياة القارئ إلى الأبد، بصرف النظر عن أهليته العقلية، ولا أدل على هذا من أن القبول في الجامعات الأمريكية مثلًا يعتمد على المقابلة الشخصية للمتقدم، فكثيرًا ما يُرفَض المتقدمون بعد المقابلة، رغم تحقيقهم العلامة الكاملة في امتحان القبول النظري (قريبي حُرم من القبول في أعرق جامعات أمريكا رغم حصوله على معدل 4/4 في ثانوية الولاية، بينما طالب آخر لم يحقق العلامة الكاملة ذاتها قُبِل في جامعة ستانفورد الثانية على مستوى العالم؛ لأنه أخبر لجنة المقابلة حين طلبوا إليه التعريف بنفسه أنه يحفظ القرآن الكريم كاملًا عن ظهر قلب).
عمومًا، إن عِظَم تأثير النفس في حركة العقل والنظر الاستدلالي مرعب جدًّا، مرعبٌ لأنه حَوَّل قبل عقود مهندسًا عبقريًّا وَادعًا، يحمل درجة الدكتوراة، إلى شخصية منعزلة تمامًا، فاستقال من التدريس في الجامعة ليعيش في الغابة، ومنها تحول إلى أغرب قاتل في أمريكا يستهدف الأكاديميين بالرسائل المفخخة!
لذلك إن النفس علة كل سبب لا نعلم له طريق التفسير، ولك أن تتخيل كيف أن الإلحاد نفسَه هو حالة نفسية وليس عقلية! فالإنسان يتحرك وفقًا لهوى نفسه، وضعف نفسه، وخَطَرَات نفسه، ووَسْوَسة نفسه، فلا عجب أن تكون هذه النفس مَناط الاختبار الإلهي، ومحل القسم القرآني؛ فبقدر ما تتحكم بها تكون إنسانًا حرًّا؛ لأنها قيد العقل، وحجاب البصر، إن هذه النفس كالنمر الجائع لا تعرف الاستقرار، ويستحيل توقع رد فعلها، إنها أخطر ما في الإنسان على الإنسان.
وفي الجملة، لو كان كلام عدنان إبراهيم في أهل “الطوفان”، آتيًا من نزعة منهجية ترى في جماعة الإخوان المسلمين عامة، وحركة حماس خاصة، أشاعرةً ضُلَّالًا يخالفون عقيدة مدرسة السلف، حينها لَمَا كان ثَمَّ حاجة إلى الكتابة عنه؛ لأن كثيرًا من أتباع مدرسة السلف خاضعون لا شعوريًّا لما يسمى في علم النفس “التحيز التأكيدي/ تحيز التأكيد”، إنها مأزق منهجي عابر للعصور بدأ بـ”المعتزلة”، ويمكن أن نسميه التفكير العكسي؛ إذ إنه يعني أن “تقرر سَلَفًا” ثم “تستدل” بعد ذلك لِمَا قررتَه! وفي العصر الحديث اصطلحوا لوقف تلك الفوضى على ما يسمى “المنهج العلمي” الذي يعني تقصي الأدلة، واستخراجها من مَظَانِّها، ثم الاستنتاج.
إن ما يُرجَى لرجل كعدنان أن يرجع عن خطئه الكبير سريعًا كما تراجع مِن قبل؛ لأنه بما معه من سلطان الحجة وفرقان العلم سيكون بهما أنصر للمرابطين المجاهدين عن دين الله، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدل أن يكون أخذل لهم.
مصنف في:المقالات
الوسوم:طوفان الأقصى عدنان إبراهيم