الكوادر الطبية والصحية في غزة.. أبطال في الصفوف الخلفية
كاتب المقال : علي سعادة
علي سعادة
الاحتلال حول المستشفيات إلى مقابر وإلى مراكز للمعاناة والموت والتحقيق والتعذيب بفعل الصمت العالمي ودفاع الولايات المتحدة الأمريكية عن جرائم الاحتلال، وتبريرها، وبعد أن فجر الاحتلال المستشفى المعمداني وتسبب في مقتل أكثر من 500 فلسطيني ولم يعاقب، اعتبر ذلك تصريحا بالقتل وتدميرا لكل معاني الحياة في غزة.
وبدأ بعدها مسلسل الكذب والتدليس الذي روج له الإعلام الغربي عن سبق الإصرار والترصد، فبدأ في استهداف الكوادر الطبيبة والصحية لحرمان المصابين والمرضى من العلاج وبالتالي دفعهم إلى النزوح.
الاحتلال يستهدف بشكل دائم الكوادر الطبية والصحية ليس في غزة فقط وإنما أيضا في الضفة الغربية، وقد بحت حناجرهم وهم يصرخون في الضمير العالمي لوقف استهداف المستشفيات وكوادرها التي لم تعد قادرة على تقديم أية خدمة للمصابين الذين في غالبيتهم أطفال وأمهات مصابون بجروح خطرة يموتون وهم ينزفون أمام الكاميرات.
ورغم أن الهجوم على المشافي وتدميرها والاعتداء على الكوادر الطبية جريمة بشعة طبقا للقانون الدولي الإنساني، إلا أن قوات الاحتلال تجاوزت جميع الخطوط، وبجميع ألوانها مرارا وتكرارا وأمام الكاميرات، والعالم يشاهد ولا يحرك ساكنا وكأنه اعتاد المشهد.
وتنص القاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني على أنه “يحظر توجيه هجوم على منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين وحمايتهم من آثار القتال”.
كما يحمي القانون الدولي الإنساني كل من يوجد داخل المستشفى من مدنيين وجرحى ومرضى، والعاملين في المجال الطبي والديني، وموظفي الإغاثة الإنسانية، فجميعهم فئات محمية وفقا لقواعد القانون الدولي.
ولا يتوقف الاحتلال الفاشي المارق عن عمليات الخطف والتعذيب للأطباء والممرضين الفلسطينيين بشكل ممنهج، واستهداف سيارات الإسعاف، أمام أنظار العالم الذي يتموضع على بعد أمتار من الإبادة، وإنما الاحتلال في سجونه أكثر من 300 أسير من الطواقم الصحية.
أمام المحرقة والجرائم المتواصلة تكتفي الجهات الدولية ذات العلاقة والصلة مثل “منظمة الصحة العالمية” و”الصليب الأحمر” ومنظمة “اليونسيف” ووكالة “الأونروا” و”برنامج الأغذية العالمي” الذي تتولى رئاسته الصهيونية الأمريكية سندي ماكين، بموقف المتفرج العاجز الحيران الذي يكتفي بدور إحصاء الموتى والكوارث، وكأنها منظمات حفروا القبور، والبكاء على الأطلال.
الكوادر الطبية يعملون بلا أدوات، والمساعدات التي تدخل قطاع غزة شحيحة ولا تغني ولا تسمن من جوع، واضطر الأطباء أحيانا لإجراء عمليات جراحية دون تخدير لعدم توفره، وبعض المصابين مات من الصدمة وبعضهم مات وهو ينزف، ومن كتبت له النجاة لا يزال يعاني من أثار الإصابة والصدمة العصبية.
القطاع الطبي قدم حتى اليوم أكثر من ألف شهيدا وشهيدة منذ بدء العدوان على قطاع غزة، بينهم أطباء وأخصائيون وممرضون وموظفو مهن طبية مساندة وإداريون ومسعفون.
كما تسبب الاحتلال بتدمير 90% من المنظومة الصحية، من خلال استهداف المستشفيات والعيادات وإخراجها عن الخدمة؛ مما فاقم من الوضع الصحي في قطاع غزة.
وعلى الأقل فإن 23 مستشفى في القطاع خرجت بشكل كلي عن الخدمة، و15 مستشفى تعمل بشكل جزئي، بسبب القصف الإسرائيلي ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود؛ وتوقف 80 مركزا صحيا، وتوقف وتضرر 130 مركبة إسعاف.
كما أن عشرات الآلاف من الجرحى والحوامل والأطفال والمرضى المزمنين، بلا خدمات صحية ويقضون أياما كاملة دون تناول الطعام، فيما تقترب غزة من المجاعة بسبب الحصار وإغلاق أهم معبر والمتنفس الوحيدة لغزة، معبر رفح الحدودي مع مصر.
و”من أمن العقوبة أساء الأدب”، فكيف إذا كان من يقوم بهذا الفعل عدو مجرم ونازي يحظى برعاية أمريكية وغربية توافقه على جميع جرائمه وتوحشه وأكاذيبه.
ورغم كل ذلك يبقى الأطباء والكوادر الطبية ملتصقون بما يميله عليهم الضمير والقيم والأخلاق التي يفتقدها الآخرون بشكل صادم، بقوا صامدين في الخطوط الخلفية مع أبناء شعبهم .