المقاطعة تصبح ثقافة اجتماعية.. وشركات تعلن خسائرها
السبيل- علي سعادة
خطوة صغيرة لحركة المقاطعة لكنها مؤثرة جدا وكبيرة في نتائجها ضمن مسار حركة المقاطعة في الأردن والوطن العربي والإسلامي والعالم بأسره لجميع العلامات التجارية الداعمة للاحتلال أو التي تستثمر في المستوطنات وفي مجال الصناعات العسكرية والتقنيات، وتساعد آلة الحرب الصهيونية على مواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ولبنان أيضا.
فتح إعلان سلسلة متاجر “كارفور” إغلاق فروعها كافة في الأردن، اعتبارا من أمس الأول الاثنين الرابع من تشرين الثاني، أبواب الأمل والتوقع بأن تحذو علامات تجارية أخرى عاملة في الأردن، وتعلن عن وقف تعاملها مع الشركات والمؤسسات التي وضعتها “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”، المعروفة بالاختصار (BDS) على لائحة المقاطعة.
وينتهي عقد استخدام العلامة التجارية لـ”كارفور” من قبل مجموعة الفطيم مع نهاية عام 2025. وبسبب خسائرها الكبيرة؛ فقد قررت المجموعة استثناء الأردن من عقد حق استخدام العلامة التجارية.
ووصفت حملة المقاطعة ما حصل بأنه انتصار للشعب الأردني في معركة المقاطعة حيث كانت المطالب من ثلاث نقاط وهي: إنهاء العلاقة مع كارفور، والاستغناء عن العلامة التجارية، والامتناع عن بيع منتجات كارفور في المتاجر المحلية، ووفقا للأنباء الواردة فجميع هذه الأمور قد تمت بالفعل.
وتصاعدت حملات المقاطعة الشعبية لتتحول إلى ثقافة عامة لدى المستهلك الأردني، مما عزز حضور المنتجات المحلية في السوق الأردنية.
ووفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإن نسبة المشاركين في نشاطات المقاطعة تجاوزت 90%، مما يعكس تضامنا واسعا بين المواطنين مع حملة المقاطعة.
وأكد إعلان شركات عالمية خسائرها الفادحة، واضطرار سلاسل محلات مثل كنتاكي لإغلاق عدد كبير من الفروع، وتراجع أسهم ستربكس بالبورصات، ليؤكد إلى حد كبير نجاح حملات المقاطعة للشركات الداعمة للاحتلال ولداعميه.
وانتشرت منذ بدء الحرب على قطاع غزة العديد من القوائم التي تضم الشركات الداعمة للاحتلال لمقاطعتها.
وقد أحدثت المقاطعة الاقتصادية لتلك الشركات طوال 13 شهرا، خسائر فادحة علاوة على تحقيق مكاسب في فضح الجرائم الإسرائيلية وترويج عدالة القضية الفلسطينية من جهة أخرى، مما أدى إلى انسحاب شركات عالمية من السوق الإسرائيلية.
ولم تصمد شركات كبرى أمام سلاح المقاطعة فقد قررت شركة الأمن الخاصة “جي 4 إس – G4S” بيع جميع أعمالها المتبقية في الأراضي المحتلة، وشركة “فيولا – Veolia” الفرنسية التي أصبحت أول شركة عالمية تنسحب بشكل كامل من السوق الإسرائيلية بعد خسارة عقود عمل تقدر بأكثر من 20 مليار دولار، بحسب ما أفادت به (BDS).
وانسحبت شركة الاتصالات الفرنسية “أورانج” من السوق الإسرائيلية بعد حملات ضدها في فرنسا ومصر، وشركة “HP” العالمية، التي فسخت عقدها مع سلطة الاحتلال لتوفير خوادم لحوسبة قاعدة بيانات الإسرائيليين.
وتراجعت مبيعات شركة ماكدونالدز، وأعلنت عن أول خسارة فعلية في المبيعات منذ ما يقرب من أربع سنوات، واعترف رئيسها بتأثير الحرب في غزة على المبيعات، وألقى باللوم على “المعلومات المضللة”.
وبدأت حملة المقاطعة على خلفية دعم فرع “ماكدونالدز إسرائيل” للجيش الإسرائيلي وحربه في غزة من خلال تقديمه وجبات مجانية للجنود، ما دفعها إلى نشر بيان تؤكد فيه بشكل قاطع أنها لا تمول أو تدعم أي طرف من أطراف الصراع، ونشرته على صفحاتها الرسمية وعلى عدد من فروعها في دول الخليج العربي.
وتحت الضغط أعلنت ماكدونالدز شراء جميع مطاعمها في الأراضي المحتلة بعد تراجع المبيعات في المنطقة إثر المقاطعة، وشملت عملية الشراء جميع منافذ البيع البالغة 225 فرعا، وتستخدم سلسلة المطاعم الشهيرة نظام الامتياز التجاري الذي يمنح الترخيص للمشغلين الفرديين لتشغيل منافذ البيع وتشغيل الموظفين.
كما أعلنت شركة بوما الألمانية أنها لن تجدد عقدها مع الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم الذي ينتهي بنهاية عام 2024، وهو ما أكدت حركة المقاطعة أنه يمثل رضوخا لضغوطها وللحملة العالمية ضدها، رغم أن الشركة قالت في بيان مقتضب إنه “قرار اتخذته قبل أحداث السابع من أكتوبر(تشرين الأول)، وأنها ستنهي في 2024 عقود بعض الاتحادات الوطنية مثل إسرائيل وصربيا”.
وذلك بعدما تم الإعلان أن شركة “أديداس” لم تعد الراعي لاتحاد كرة القدم الإسرائيلي، وعقب حملة واسعة أيضا حتى تتخلى عن عقد الرعاية.
وسجلت سلسلة المقاهي الأمريكية الشهيرة “ستاربكس” إيرادات وأرباحا ونموا أقل من المتوقع في مبيعاتها، وظهر تراجع في تكرار زيارات العملاء وحجم الطلبات، وتصاعدت الحملات التي تدعو لمقاطعة “ستاربكس” في العالم العربي، بعد أن رفعت السلسلة دعوى قضائية ضد نقابة العاملين بها، بتهمة مناصرتهم لفلسطين، وهي التي أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وذلك وفقا لمبادئ النقابة الداعمة للحقوق والحريات.
كما أغلقت سلسلة مطاعم كنتاكي مئات الأفرع بالعديد من الدول الأوروبية والعربية، بعد تفاقم حملات المقاطعة لها.
ومع توسع حملات المقاطعة الشعبية للعلامات التجارية الداعمة لإسرائيل، تراجعت أغلب البورصات في العديد من الدول كالخليج ومصر والأردن ودول أوروبية عدة.
وانتشرت منذ بدء الحرب العديد من القوائم التي تضم الشركات الداعمة للاحتلال ويجب مقاطعتها، وجرى تداولها شعبيا وعلى منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، مع بيان سبب المقاطعة وإيجاد بدائل عنها.
ولم تقتصر عمليات المقاطعة على المطاعم والمقاهي ومحلات البيع بالتجزئة وشركات التكنولوجيا وإنما امتدت إلى قطاع المصارف حيث أعلن بنك باركليز البريطاني عن خطط للانسحاب من مزادات السندات الحكومية الإسرائيلية، وباركليز يعد أحد 7 مقرضين أجانب يساعدون الحكومة الإسرائيلية في بيع الديون، ويبدو أنه يستعد لمغادرة السوق الإسرائيلية في محاولة لتهدئة الانتقادات وما واجهه من احتجاجات شعبية بشأن علاقته بالاحتلال.
كما أعلنت بعض الصناديق العالمية سحب استثماراتها في شركات ومؤسسات إسرائيلية، فقد أعلن صندوق الثروة النرويجي، أحد أكبر الهيئات الاستثمارية في العالم، برأسمال يقدر بنحو 1.6 تريليون دولار، أنه يعيد النظر في استثماراته في 9 شركات إسرائيلية عقب الحرب على غزة. وايضا، سيسحب صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي، الذي تبلغ قيمته 15 مليار يورو استثماراته من 6 شركات إسرائيلية، بسبب أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي شركة رامي ليفي وخمسة بنوك: هبوعليم، لئومي، ديسكونت، مزراحي تفاحوت وفيرست إنترناشيونال.
وأعلنت صناديق استثمارية بعدة جامعات أمريكية وأوروبية عن سحب استثمارتها في دولة الاحتلال.
وتشن دولة الاحتلال، بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، حرب إبادة في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، ذهب ضحيتها نحو 43,391 شهيدا و102,347 إصابة .
وحققت حملات المقاطعة التي انطلقت ردا على دعم بعض الشركات الكبرى للجيش الإسرائيلي تحولا لافتا في المشهد الاقتصادي العالمي، فبينما كانت بعض الشركات العالمية تعتلي عرش أسواق المنطقة لسنوات، وجدت نفسها فجأة في مواجهة عواقب غير متوقعة.
المقاطعة لم تعد مجرد رد فعل سياسي، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية وأظهرت قدرتها على تغيير سلوك المستهلكين والتأثير على مكانة الشركات العالمية، وخصوصا في الأسواق العربية.
وشهدت الأسواق العربية تحولا ملحوظا نحو دعم المنتجات المحلية كبديل للعلامات التجارية العالمية، حيث يعتبر هذا التوجه جزءا من وعي متزايد لدى المستهلكين بضرورة دعم الاقتصاد الوطني والاستجابة للأزمات السياسية.
ومن المتوقع أن يشهد السوق العربي نموا ملحوظا في العلامات التجارية المحلية، خصوصا في قطاعات الأغذية والمشروبات والملابس.
وهذا ما يعزز فرص الاستثمار في القطاع المحلي ويعد دافعا لرواد الأعمال العرب لابتكار منتجات وخدمات تتوافق مع تطلعات المستهلكين العرب.