الأخبار

آفاق التحول في الموقف الأمريكي من التواصل المباشر مع حماس

مارس 20, 2025 2:51 م
عاطف الجولاني


(*) خاص بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت

في سابقة هي الأولى من نوعها في سياق العلاقة بين الطرفين، أجرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump أول لقاء رسمي مباشر مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة القطرية الدوحة في 2025/3/5.

وأكّد المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بولر Adam Boehler في مقابلة مع شبكة سي إن إن Cable News Network (CNN) الأمريكية في 2024/3/9 أنه حصل على موافقة مسبقة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعقد اللقاءات مع حركة حماس، وأضاف: “لسنا وكلاء إسرائيل، ولدينا مصالح محددة نعمل لتحقيقها ونتواصل ذهاباً وإياباً من أجلها”، وأشار إلى أن الجانب الإسرائيلي وُضع في صورة الاتصالات مع حماس، وأنه “لا يمكنه القول إن كانت المفاوضات فشلت أو نجحت لكنها مهمة جداً”.

وفي محاولة واضحة للتخفيف من تخوفات الجانب الإسرائيلي الذي أبدى انزعاجاً واضحاً من فتح إدارة ترامب قناة تواصل مباشر مع الحركة، قلّل وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو Marco Rubio من أهمية تواصلات بولر مع حماس ووصفها بأنها “قناة هامشية، ولمرة واحدة لم تسفر عن نتيجة”. ونتيجة تزايد ضغوط حكومة بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu بعد تصريحات المبعوث بولر التي وصف فيها قادة حماس الذين التقاهم في الدوحة بـ”اللطفاء”، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية عن إقالته من مهمته، ونقل موقع “أكسيوس Axios” الأمريكي عن متحدثة باسم البيت الأبيض أن بولر سيواصل خدمة الرئيس كموظف حكومي خاص بمفاوضات الرهائن.

تطور الموقف الأمريكي من حماس:

أدرجت الولايات المتحدة حماس سنة 1997 على “القائمة الأمريكية للإرهاب” التي تحظر على أي مواطن أمريكي أو مقيم بالولايات المتحدة التعامل مع الجهات المدرجة على القائمة، كما مارست ضغوطاً قوية على الاتحاد الأوروبي لإدراج الحركة على “قائمة الإرهاب الأوروبية”، غير أن هذه الخطوة تأخرت حتى سنة 2001.

وعلى الرغم من أن فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2006 وتكليفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية مثّل مبرراً لإعادة النظر في الموقف الأمريكي من التواصل مع الحركة المنتخبة شعبياً، فإن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً صارماً، وفرضت على الحكومة حصاراً مشدداً، وضغطت على الفصائل الفلسطينية للامتناع عن المشاركة فيها، كما فرضت ما عُرف بـ”شروط الرباعية” للتعامل مع أي حكومة تشكلها حماس أو تشارك فيها. وفي سنة 2007، أطلقت “مشروع دايتون Dayton Project” الأمني لإفشال الحكومة وإسقاطها.
وعلى الرغم من استمرار الموقف الأمريكي الرافض لأي لقاءات أو تواصل رسمي مباشر مع حماس، جرت العديد من التواصلات غير رسمية مع الحركة كان أبرزها لقاءات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر Jimmy Carter مع قادة حماس بدءاً من سنة 2008 ولعدة سنوات لاحقة.

أهمية التحوّل في الموقف الأمريكي من حماس:

ينطوي اللقاء المباشر بين المبعوث الأمريكي بولر وبين قيادات من حركة حماس على العديد من النتائج المهمة، ومن أبرزها:

  1. مثّلت اللقاءات انعطافاً مهماً واختراقاً لخط أحمر سابق في الموقف الأمريكي من التواصل الرسمي المباشر مع حماس.
  2. تسهم اللقاءات بتعزيز الشرعية السياسية لحماس والمقاومة الفلسطينية على المستوى الدولي، وتؤكد نجاحها في فرض حضورها كأمر واقع في المعادلة السياسية الفلسطينية يصعب تجاهله أو تجاوزه، كما تشكك اللقاءات بجدوى الاستمرار في تصنيفها على “قوائم الإرهاب”.
  3. يُشجّع التغيّر في الموقف الأمريكي العديد من الدول الأوروبية على فتح قنوات رسمية مباشرة مع حركة حماس، حيث كان الموقف الأمريكي المتشدد سبباً قوياً لامتناع العديد من الدول الأوروبية عن التواصل الرسمي مع الحركة وللبحث عن قنوات اتصال غير مباشرة عبر المنظمات غير الحكومية.
  4. تُشكّل اللقاءات ضغطاً إضافياً على بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف، وتسهم في زيادة التباينات بين أولوياته وأولويات إدارة ترامب المهتمة بتحقيق إنجازات سياسية سريعة.
  5. تثير اللقاءات مخاوف السلطة الفلسطينية من كسر احتكارها للتواصل الرسمي مع الجانب الأمريكي ومع الأطراف الأوروبية، وهو ما سعت لتكريسه طوال عقود فائتة، لقطع الطريق على أي فرصة لتهديد دورها ومكانتها السياسية.

محددات موقف إدارة ترامب في العلاقة مع حماس:

يُرجّح أن تحكم إدارة العلاقة بين الطرفين مجموعة محددات من أهمها:

  1. البُعد الشخصي والمصلحي لترامب ورغبته الجامحة بالنجاح وتحقيق إنجازات سريعة، وجرأته العالية على عقد الصفقات وإحداث انعطافات حادة في الموقف.
  2. التجارب السابقة لإدارة ترامب في التفاوض مع أطراف كانت مصنفة على “القائمة الأمريكية للإرهاب”، كالمفاوضات مع حركة طالبان خلال ولاية ترامب الأولى والتي أفضت لتوقيع اتفاق معها في 2020/2/29 على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال سنة 2021. كما تعاملت إدارة ترامب مع الأمر الواقع الذي فرضته هيئة تحرير الشام بعد إطاحتها بالنظام السوري السابق، حيث أجرت لقاءات رسمية مع رئيس الحركة أحمد الشرع.
  3. استراتيجية ترامب خلال ولايته الأولى لتهدئة التوتر وخفض التصعيد وخفض انخراط الولايات المتحدة في الصراعات العسكرية، وبروز مؤشرات أوّلية لمواصلة الاستراتيجية ذاتها في ولايته الحالية، حيث ضغط لإنجاز وقف إطلاق النار في غزة، ومارس ضغوطاً قوية على أوكرانيا لوقف إطلاق النار مع روسيا.
  4. ضغوط حكومة نتنياهو وأعضاء الحزب الجمهوري Republican Party الأمريكي للتشدد في إدارة العلاقة مع حماس وتجنب الانفتاح عليها.
  5. عجز العدوان الإسرائيلي عن إنهاء حماس والمقاومة عسكرياً أو إضعافها شعبياً، واضمحلال شعبية السلطة الفلسطينية، وفشل الجانبين الإسرائيلي والأمريكي بإيجاد بدائل عملية مقبولة لإدارة القطاع دون التفاهم مع حماس التي نجحت بتكريس نفسها كأمر واقع لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية في القطاع.

الخلاصة:

مع أن انفتاح إدارة ترامب على حماس قد لا يتجاوز كونه خطوة تكتيكية محدودة تتعلق بملف تبادل الأسرى، وبالتحديد من يحملون الجنسية الأمريكية منهم، فإن ذلك لا يقلل من أهميتها واحتمالات تواصلها وتطورها مستقبلاً إن رأت إدارة ترامب أن لها مصلحة راجحة في ذلك.

وبعيداً عن رفع سقف التوقعات والرهانات، يُرجّح أن تواصل إدارة ترامب ممارسة الضغوط وطرح شروط سياسية وأمنية مشددة، يصعب على حركة حماس وفصائل المقاومة الموافقة عليها، من أجل رفع مستوى الانفتاح عليها وقبولها في المعادلة السياسية الفلسطينية. ومن غير المستبعد أن تستثمر بعض الحكومات الأوروبية انفتاح إدارة ترامب على التواصل مع حماس، لتجاوز تحفظاتها السابقة، ولفتح قنوات تواصل مع الحركة خلال الفترة القادمة.

مواضيع ذات صلة
ترامب رجل خطر يضع العالم على حافة الجنون والهاوية
ترامب رجل خطر يضع العالم على حافة الجنون والهاوية

أبريل 2, 2025 4:34 م

الجميع يعاني مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اصطدم بالجميع وبالمقام الأول حلفاء وأصدقاء أمريكا المقربين، كندا وأوروبا، وجامل ونافق أعداء...
حماية المقاومة واجب وطني وحذار من التفريق بين الشعب والمقاومة
حماية المقاومة واجب وطني وحذار من التفريق بين الشعب والمقاومة

أبريل 2, 2025 12:52 م

في الاسابيع القليلة الماضية تصاعد الحديث عن تسليم المقاومة لسلاحها،وخروج قيادتها من قطاع غزة.وجاء ذلك مباشرة بعد وقف النار في...
سحب تعيين شرفيط واستقالة سموتريتش جزء من سيرك نتنياهو
سحب تعيين شرفيط واستقالة سموتريتش جزء من سيرك نتنياهو

أبريل 1, 2025 5:09 م

علي سعادةلا يمكن أن يكون رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بهذا الحمق والغباء، رغم عقليته الإجرامية وإتقانه فن الكذب والتدليس...
ذكرى “يوم الأرض” تأكيد على رفض التهجير
ذكرى “يوم الأرض” تأكيد على رفض التهجير

مارس 30, 2025 5:37 م

49 عاما مضت على “يوم الأرض”، وأكثر 17 شهرا على “طوفن الأقصى”، وكانت الأرض حاضرة، فهي أساس الصراع وهي نتيجته...
محاولة لفهم حالة عدنان إبراهيم
محاولة لفهم حالة عدنان إبراهيم

مارس 30, 2025 4:02 م

استمعتُ لسنوات للدكتور عدنان إبراهيم منذ ظهوره مِن على منبر أحد مساجد فيينا؛ بهدف تحليل خطابه، ودراسة مضامينه، فخلصتُ إلى...
دائرة الإفتاء تنحاز إلى العلم
دائرة الإفتاء تنحاز إلى العلم

مارس 30, 2025 2:13 م

كان من المتوقع أن يحدث خلاف في تحديد أول أيام شهر شوال (عيد الفطر) بين الدول العربية والإسلامية. والسبب هو...