المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج و “مبادرة النقاط الثلاث”
كاتب المقال : عاطف الجولاني

لا خلاف على أن القضية الفلسطينية تمرّ بمرحلة دقيقة وحساسة، ولا نضيف جديدًا حين نؤكد أن مقاومة الشعب الفلسطيني باتت مهددة ومستهدفة أكثر من أي وقت مضى في وجودها وشرعيتها ودورها، أو حين نحذّر من أخطار داهمة تستهدف إنهاء القضية عبر تنفيذ مؤامرات التهجير والتوطين وحسم السيطرة والسيادة الصهيونية على الضفة الغربية والقدس المحتلة والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وثمة مساحة واسعة من الاتفاق على أن إنجاز التوافق الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية تمثل إرادة الشعب الفلسطيني وتعبّر عن تطلعاته وطموحاته، هو متطلّب مهم لتعزيز قوة الشعب الفلسطيني وتمكينه من مواجهات التحديات والتهديدات، ولكن ما العمل حين تُغلق الأبواب وتُسدّ الطرق ويغدو إنجاز ذلك أمرًا يقترب من المستحيل وربما أصعب من دخول الجمل في سم الخياط؟
في مواجهة الاستحقاقات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية لم تعد تُجدي المقاربات والمعالجات التقليدية، ولم يعد مقبولًا استمرار المماطلة والتأجيل والتسويف وانتظار مجهول قد لا يأتي. فهل يواصل الشعب الفلسطيني وقواه الحيّة ونُخبه الوطنية ممارسة الصمت ودفن الرؤوس في التراب والرهان على خيار غير واقعي يعلمون يقينًا أنه بأت عصيًا على الإنجاز وأن طريقه مسدود، مسدود، مسدود؟
الحاجة باتت ملحة لسدّ حالة الفراغ العملي وإدارة الحالة الوطنية في لحظة فارقة تستدعي حشد وتنسيق جهود كل المتمسكين بثوابت الشعب الفلسطيني والمنافحين عن مقاومته وحقه بالتحرّر والعودة وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على كامل التراب الفلسطيني، وهذا ما يزيد من أهمية الصرخة التي أطلقها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج يوم أمس السبت في إعلانه الوطني الفلسطيني ، حيث وضع الأصبع على الجرح، واقترح مقاربة واقعية تقيم الحجّة على المترددين.
أكد المؤتمر في إعلانه وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، و”ضرورة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية تعتمد الانتخاب حيثما أمكن، والتوافق ضمن مرجعية فصائلية ووطنية عندما لا يتيسر ذلك، لفرز مجلس وطني جديد ينتخب قيادة جديدة للشعب الفلسطيني تحافظ على ثوابته الوطنية وتعبّر عن إرادته وتطلعاته بالتحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني”.
ولكن المؤتمر لم يترك الأمر في مساحة التسويف وانتظار لحظة تاريخية قد لا تأتي “في ضوء هيمنة القيادة المتنفذه واحتكارها للقرار الفلسطيني وإفشالها لكل جهود التوافق الوطني وإمعانها في التنسيق والتعاون الأمني مع الاحتلال، وفي ظل الهجمة التي تستهدف وجود شعبنا الفلسطيني وتهدّد قضيتنا الوطنية” كما ورد في الإعلان.
حيث أطلق المؤتمر في إعلانه الوطني مبادرة تستدعي التوقف والاهتمام، تقوم على ثلاث نقاط:
الأولى: بلورة صيغة وطنية فاعلة تنهض بمسؤوليتها في إدارة الحالة الوطنية في اللحظة الراهنة، وتضطلع بالدفاع عن ثوابت الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده ودعم مقاومته وحقه في التحرير وإنهاء الاحتلال.
والثانية: إجراء انتخابات محلية حيث يتيسر ذلك لفرز ممثلين ومرجعيات وطنية محلية منتخبة ضمن إشراف هيئات وطنية مستقلة، وبحيث تنهض بمتابعة الشؤون المحلية لأبناء الشعب الفلسطيني في أماكن وجودهم.
والثالثة: تفعيل دور الاتحادات والهيئات والمؤسسات الوطنية الفلسطينية المعطّلة التي جرى إلغاء دورها وتفريغها من مضمونها.
وكان المؤتمر الشعبي أطلق قبل ثلاث سنوات الدعوة لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية موحّدة، لو قُدّر لها النجاح حينها وانطلقت فعلًا وتجسدت على الأرض لكان لها دور سياسي مؤثر خلال مواجهة طوفان الأقصى في دعم المقاومة وتوفير الغطاء السياسي لها، لكن الفرصة فُوتت آنذاك، حيث كان التردد سيّد الموقف.
واليوم، وفي لحظة تاريخية ضاغطة، باتت الحاجة لوجود صيغة واصطفاف وطني يدير الحالة الوطنية ويدعم المقاومة وينحاز لثوابت الشعب الفلسطيني أمرًا أكثر أهمية. وها هو المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج يعيد قرع الجرس ويطلق “مبادرة النقاط الثلاث”، فهل يجري التحّرك سريعًا لالتقاط المبادرة والتفاعل معها، وهل ينطلق حوار جاّد سريع تقوده “فصائل المقاومة والثوابت الوطنية” بالشراكة مع المؤتمرات والهيئات الشعبية والشخصيات الوطنية للخروج من حالة الانسداد ومأزق العمل الفلسطيني؟