الأخبار

بين تصريحي بلفور وترمـب

فبراير 20, 2025 5:24 م
أحمد بركات

بين بـلـفور وترمـب
تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب؛ المتعلقة بتهجير سكان القطاع والسيطرة عليه، في سياق مسلسل دولي تاريخي من الوعود والتصريحات. فقد سعت الدول الغربية إلى تحقيق مصالحها ومطامعها الاستعمارية في المنطقة، وتفكيك المنظومة العربية الإسلامية، وزرع كيان سرطانيٍّ يقسم العالم العربي ويحول دون وحدته، على الرغم من وجود الروابط المشتركة العديدة؛ اللغة والدين والثقافة، وغيرها.
بدأت النزعة البلفورية مبكراً، وتواترت مع مرور الزمن، متجليةً في العديد من المحطات البلفورية. ولعلَّ أهمها كان مع نابليون بونابرت؛ غازي الشرق الذي أصدر بياناً دعا فيه اليهود إلى العودة لأرض الآباء والأجداد، ووجَّه نداء إلى “ورثة فلسطين الشرعيين” (وفق تعبيره)، بأن يتبعوا فرنسا التي ستُعيد لهم إرث إسرائيل. أما قيصر ألمانيا عام 1898، فقد وجه خطاباً باسم حكومة القيصر لهرتزل ورد فيه: “إن صاحب الجلالة على استعداد أكيد لمناقشة أمر توطين اليهود مع السلطان العثماني، وإنه ليُسعده أن يستمع إلى مزيد من التفاصيل منكم في القدس”. وجاء في الخطاب: “يودُّ جلالته أن يخبركم عن استعداده بأن يأخذ على عاتقه مسؤولية قيام الدولة اليهودية، حالَ تأسيسها”.
وجاءت لحظة تصريح بلفور عام 1917، التي وصفها بلفور نفسه بـأنها “اللحظة الزمنية التي يجري فيها توقيع العقد بين الحضارة الغربية وقيادة المجموعات البشرية اليهودية في الغرب؛ العقد الذي يتأسَّس بمقتضاه وطنٌ قومي لليهود في فلسطين، بوصفهم عنصرا سكانياً مستقلاً يضمن الغرب أمنه، ويحقق لسكانه رخاءً معيشياً مُميَّزاً، على أن يضطلعوا بدور المدافع عن المصالح الاستراتيجية الغربية”.

نصّ تصريح بلفور وتصريح ترمـب
نصّ تصريح بلفور، الذي صدر في 2/11/1917، على ما يلي:
“إن حكومة جلالة الملك، لتنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جلياً أنه لن يسمح بأي اجراء يُلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى”.

تصريح ترمـب في العام 2025
ورد تصريح ترمـب خلال المؤتمر الصحفي، الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في مطلع شهر شباط، حيث صرح بأنه يمكن أن يرى الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ “موقفا طويل الأمد في غزة”، فتنقل سكانها إلى أرض جديدة وجميلة “في بلد آخر”، وأن تُطوِّر الأراضي التي دمرتها الحرب. ولدى سؤاله عن عدد السكان الفلسطينين الذين يتوجب نقلهم، أجاب: “جميعهم”..!!
وواصل: “إنَّ سكان غزة سيرغبون في مغادرة غزة إذا كان لديهم خيار. “وفي الوقت الحالي، ليس لديهم خيار آخر”. وأضاف بأن غزة ستكون “ريفيرا الشرق الأوسط”. مؤكداً “أن الولايات المتحدة قد ترسل قوات إلى غزة، إذا لزم الأمر”.
وطلب ترمـب من الأردن ومصر قبول انتقال السكان من غزة إليهما، وشدَّد “أنهما سيقبلان انتقال سكان غزة إليهما، على الرغم من رفضهما العلني”.
” وقال ردّاً على سؤال مفاده: “هل تتحدث عن احتلال غزة بأكملها؟”، أجاب: “أرى ملكية طويلة الأجل ستجلب استقرارا كبيرا إلى هذا الجزء من الشرق الأوسط، بل ربما الشرق الأوسط بأكمله”. وكل من تحدث إليهم كما يقول “أحبّ فكرة امتلاك الولايات المتحدة لقطعة الأرض هذه، وخلق آلاف الوظائف وتطويرها، بصورة ستكون رائعة في منطقة رائعة حقا، لم يعرفها أحد من قبل”.
وشدد ترمـب على أنَّ رحيل أهل غزة عنها لا يمنحهم حق العودة إليها لاحقاً.
ومن الجدير ذكره أن تصريح بلفور بقي سرّيّاً إلى حين ضمّه، بصورة رسمية، في صكِّ الانتداب البريطاني على فلسطين في مادته الثانية.
أما تصريح ترمـب، فقد جاء علنيا فَجّاً في المؤتمر الصحفي الآنف ذكره. وركزت تصريحاته بعد ذلك على كيفية تحقيق خطته على الأرض، وذلك عبر تفريغ القطاع من سكانه، وإحلال آخرين من كافة أنحاء العالم، وتحويل القطاع إلى بيئة استثمارية جاذبة.

الموقف العربي الرسمي من التصريحين
اتسم الموقف العربي من وعد بلفور، ومن بعده صك الانتداب، بالرفض الخجول. ويدلل على ذلك موقف ممثل العرب في مؤتمر الصلح علم 1919، إذ قال: “في فلسطين، الأغلبية الهائلة عرب، واليهود قريبون جدا للعرب في الدم، وليس ثمة تعارض في الشخصية بين الجنسين. ونحن متفقون تماما من حيث المبادئ، ومع ذلك، ليس في وسع العرب أن يخاطروا بمسؤولية حفظ التوازن لدى تضارب الأجناس والديانات، الذي كثيرا ما أدى في هذا الإقليم نفسه الى توريط العالم في مشاكل، وهم يرغبون فعلا في تنصيب دولة كبيرة وصية عليهم ما دام هناك إدارة عملية نيابية، تزكي نفسها بالعمل على نحو نشط على تقرير الرخاء المادي للبلد”.
واعتقد العرب أن وعد بلفور غير واقعي ومتعذر التنفيذ، وأنه سوف يسقط بالتقادم الزمني، إلا أن الزمن أثبت عكس ذلك.
أما الموقف العربي الراهن من تصريحات ترمب، فيسير في اتجاه الرفض الدبلوماسي الخجول واللين، كذلك، ويُستدلُّ على ذلك من الخطابات واللقاءات العربية رفيعة المستوى مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويتحدث العرب بأنّ تصريحات ترمب غير واقعية، ومن غير المحتمل تنفيذها على الأرض، ويعولون على عنصر الزمن وصمود أهل غزة في إسقاطها وإفراغها من مضمونها.

المرجع القانوني للتصريحين
اعتمدت بريطانيا في تنفيذ تصريحها على سلطة عصبة الأمم، من خلال تضمين صك الانتداب لتصريح بلفور ضمن مادته الثانية. وقد جرى تكليف بريطانيا، عبر انتدابها على فلسطين، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
بينما قال الرئيس الأمريكي في رده على سؤال صحفي عن السلطة التي يعتمد عليها في سيطرته على غزة، بأنها سلطة ترجع للسلطة الأمريكية.

وعد من لا يملك لمن لا يستحق

لما أصدرت بريطانيا تصريحها لم تكن مسؤولة عن فلسطين، ولم تكن جيوشها قد احتلت فلسطين بعدُ، وكان حلفاؤها العرب يحاربون معها في الميادين المختلفة للتخلص من النفوذ العثماني على الأرض العربية. ومع ذلك، لم تكترث بريطانيا لوعودها تجاه العرب؛ المتعلقة بإقامة الدولة العربية على أنقاض الدولة العثمانية، وأصدرت تصريحها المشؤوم.
وكذلك، لم تكن الولايات المتحدة قبل تصريح رئيسها، موجودة على الأرض الفلسطينية بعامة وقطاع غزة بخاصة، وهي غير مسؤولة عنها، وجيوشها لا تحتلُّ فلسطين، وقد عمل حلفاء أميركا العرب معها في منع الهجوم الإيراني على إسرائيل، ولكنَّ أميركا تنكَّرت لمصالح العرب، وأصدر ترمب تصريحاته النكراء الآنف ذكرها.
تشابه التصريحان، من حيث منحُ مَنْ لا يملكُ الأرضَ أو التاريخ أو السكان، لمَنْ لا يستحقُّ، وليس له أيُّ إرث سكاني أو تاريخي، ولا يمتلكُ الأرض.

القوة السياسية للتصريحين
جاء التصريح البريطاني على لسان وزير الخارجية البريطاني، ولم تُهيمن بريطانيا آنذاك هيمنة منفردة على العالم، ولم تكن الحرب العالمية الاولى قد حُسمت نتائجها بعد، وإنْ أشارَ مسارُها العام على حسمها لصالح الحلفاء.
أما التصريح الأمريكي فقد جاء على لسان رئيس الولايات المتحدة ترمب؛ أقوى دولة في العالم، وهي دولة كانت تُهيمن على العالم، لكنها شهدت في العقد الأخير تنافساً متنامياً من الصين وروسيا.
وعليه؛ فإن قوة تصريح ترمب من حيث التمثيل السياسي، تفوقُ قوة تصريح بلفور. واستتباعاً، فإن خطورة التصريح الأمريكي قد تكون حقيقية ومخيفة، حال البدء في تنفيذه فعلياً.
إلا أن تصريح بلفور قد حظي بشبه إجماع غربي، بينما تصريح ترمـب لم يحظَ بالقبول، لا غربياً ولا عالمياً.

وضع العرب في توقيت التصريحين
يتشابه وضع العرب، إلى حد كبير، في الحقبتين التاريخيتين للتصريحين.

فقد شهد العرب والمسلمون حالة من الضعف والانقسام الواضح قبل تصريح بلفور، وتبدّى ذلك من خلال تراجع حاد في قوة الدولة العثمانية، وتضاؤل في مركزيّتها، مما أثر في العرب، المُكبّلين إلى حد كبير بأوضاعٍ اقتصادية سيئة، وأسهمت الحروبُ البينية في تفاقمُ الأوضاع سوءاً، لاسيما الحروب التي وقعت في الحجاز بين القبائل ذات النفوذ الداخلي، مما أثر إلى حد كبير في انعدام الاستقرار السياسي. ووقعت مصر تحت نير الاستعمار البريطاني، مما قزَّم إلى حد كبير دورها في الحالة السياسية العربية المـأزومة. وبرزت في تلك المرحلة محاولات لإقامة الدولة العربية الموحدة على أنقاض الدولة العثمانية، إلا أن الحليف البريطاني خذل حلفاءه العرب، ونكث بكل وعوده المتعلقة بمساعدتهم في إقامتها. ثم تقاسمت الدول الغربية إرث الدولة العثمانية، وقُسّمت الدول العربية، بعد أن باتت تحت نير الاستعمار الغربي، مما فاقم من ضعف العرب، وأسهم في انحسار تأثيرهم السياسي الفعلي على الأرض.
وتشهد الحالة العربية الراهنة تراجعا ملحوظا للمشروع القومي العربي، وفي الوقت عينه يواجه المشروع القُطْريُّ مخاطر حقيقيّة تستهدف استمراره، ويواجه العرب تعقيدات كبيرة في بيئتهم السياسية. فقد خسر العرب العراق؛ البوابة الشرقية المدافعة عن المشروع العربي، وغرقت السودان في أوحال الحروب الأهلية المتتالية، وهجر الملايين وتعرضوا لمجاعات كبيرة. وفي سوريا، واجه النظام ثورة الشعب بالحديد والنار، وتعاظمت التدخلات الخارجية على الارض السورية، ومع نجاح الثورة السورية، ما تزال الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية هشّة الى حد كبير. كما تعيش الدولة المصرية أزمات سياسية واقتصادية تؤثر في قدرتها وأدائها السياسي، وتراجعَ تأثيرُها في القضايا الحيوية لأمنها القومي في السودان وغزة، وحتى في ملف سد النهضة. كما تعاني اليمن من حالة عدم استقرار، وانقسام حادٍّ أدى إلى انشطار اليمن إلى قسمين؛ قسم تابع للنفوذ الإيراني يمثله الحوثيّون، والآخر يتبع النفوذ السعودي، وتمثله الحكومة الشرعية. أما في فلسطين، فقد سقط مشروع السلام العربي إلى حد بعيد، الذي اعتمدت عليه بعض الأنظمة الرسمية وروَّجت له، والذي دعا إلى اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل التطبيع مع إسرائيل ودمجها في المنطقة.
تؤكد هذه الأحوال وغيرها على حالة الضعف العربية غير المسبوقة، وعلى غياب أي بوصلة مستقبلية لها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدول العربية، لاسيما مصر والأردن والسعودية، ستسعى إلى الحفاظ على مصالحها، ورفض مشروع ترمـب، ومحاولة وضع خطة عربية بديلة تكون مقبولة.
وكم تشبه حالة الضعف العربي التي مر بها العرب في بداية القرن الماضي مع ما يمر به العرب اليوم والتي تزداد سوءًا منذ بداية القرن الحالي .
تسهل هذه الحالة على المشروع الاستعماري الغربي تمرير أجندته في المنطقة، لولا وجود حالة من المقاومة الحقيقية الجادة، لاسيما على الأرض الفلسطينية.

الأهداف الاستراتيجية للتصريحين
الأهداف الإستراتيجية لتصريح بلفور:
تكمن أهمية المنطقة العربية في موقعها الاستراتيجي، حيث تشكل عقدة تجارية هامة، وطريقاً لتدفق البضائع بين الشرق في آسيا والغرب الأوروبي. وتزايدت الأهمية الاستراتيجية بعد حفر قناة السويس، والتي أصبحت أهم عقدة تجارية، تراجعت معها أهمية رأس الرجاء الصالح. ومع الاكتشافات الواعدة للنفط في المنطقة، ازدادت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة.
عقد مؤتمر “خبراء الاستعمار 1907″، الذي تدارست فيه الدول المستعمرة الوسائل التي يجب اتباعها للحيلولة دون اضمحلال الاستعمار الغربي، وقدم الخبراء تقريراً تفصيلياً إلى وزارة المستعمرات البريطانية عن فلسطين جاء فيه “إن البحر المتوسط هو شريان الحياة، وهو ملتقى طرق التجارة، ومن يسيطر على هذه المنطقة يستطيع التحكم بالعالم. وعلى امتداد سواحله من الرباط إلى غزة، ومن غزة إلى مرسين، وفي هذه البقعة يعيش شعب واحد تتوفر له وحدة دينية ووحدة تاريخية ووحدة لغوية وامال وكل مقومات التجمع والترابط والاتحاد، وتتوفر لديه النزعة التحررية والثروات الطبيعية. وشدد التقرير على ضرورة العمل على فصل الجزء الافريقي من هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي، بحيث تشكل هذه المنتطقة قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة، وبعد هذا المؤتمر بعشر سنوات جاء تصريح بلفور وكان الهدف من التصريح هو الحفاظ على سيطرة بريطانيا العظمى على طرق التجارة من الهند الى اوروبا عبر مصر، والحفاظ على مصر كقوة نفوذ للاستعمار البريطاني والحفاظ على المصالح والنفوذ الغربي في المنطقة العربية، ومنع أي شكل من اشكال الوحدة بين شعوب المنطقة. ومع الاكتشافات النفطية الواعدة في المنطقة سعى الاستعمار إلى تأكيد سيطرته على النفط من خلال الامتيازات الممنوحة لشركاته لضمان استدامة التدفقات من خلال طرق التجارة المسيطر عليها ووصولها بشكل امن للحفاظ على استدامة القدرة التشغيلية لمصانعه وزيادتها مع الوقت.

الأهداف الإستراتيجية لتصريح ترمـب: العالم بين طريقين
شهد العالم في العقد الأخير تنافسا تجاريا وتكنولوجيا كبيرا، لاسيما بين العملاق الأمريكي والتنين الصيني، ممّا ينذر بحرب باردة جديدة، ومُضيّ العالم تدريجياً إلى حالة تنافسية قطبية جديدة تنعكس جغرافياً.
بدأت الصين عام 2013، بإنشاء طريق تجاري عالمي جديد، على أنقاض طريق الحرير القديم، سمي باسم ” الحزام والطريق”. ويهدف الطريق الجديد بعامة إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات، وربط الصين بخاصة بالقارة الأوروبية. ويعد أكبر مشروع في تاريخ البشرية، إذ يشمل مرافئاً وطرقاً وسككاً حديدية ومناطق صناعية، ويشارك في المشروع أكثر من 123 دولة. وتسعى الصين من خلاله إلى تسريع وصول البضائع والمنتجات الصينية إلى الأسواق العالمية في آسيا وأوروبا. ويمتد الطريق من الصين إلى تركيا، وإلى روسيا الغربية، ومنهما إلى أوروبا. يأتي هذا وسط تنامي النفوذ الصيني، وتصاعد الشكوك الغربية حول نواياها. ويربط خط سكك الحديد الصين بأوروبا، ويصل 62 مدينة صينية بـ51 مدينة أوروبية. وأسست الصين رؤيتها على تغيير وجه آسيا، ونقلها إلى عصور الحداثة.
لم يتأخر الرد الأمريكي على مشروع الصين العملاق؛ “الحزام والطريق”، من خلال تبنيها لمشروع عالمي عملاق يوازي مشروع الصين؛ سمي “بالممر الاقتصادي”، يربط الهند بالشرق الأوسط وإسرائيل باتجاه أوروبا. ووفق رؤية البيت الأبيض، يتألف الطريق الجديد من ممرين منفصلين؛ الممر الشرقي، الذي يربط الهند بالخليج العربي، والشق الشمالي الذي يربط الخليج العربي بإسرائيل عبر الأردن متجها إلى أوروبا. وصرح الرئيس الأمريكي بايدن عن هذا الطريق، قائلا: إنها صفقة كبيرة وحقيقية من شأنها ربط الموانئ عبر قارتين، وتؤدي إلى شرق أوسط أشد استقرارا وازدهارا وتكاملا، وسيتيح فرصاً لا نهاية لها للطاقة النظيفة، ومد الكابلات لربط المجتمعات.
بدأت الهند فعلا بإنشاء ميناء عملاق ليكون جزءا مركزيا من خطة الممر الاقتصادي لربط الدول الأسيوية بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
وكان لا بد لتمرير هذا المشروع من دمج إسرائيل عمليا في منطقة الشرق الأوسط، والذهاب باتجاه تطبيع العلاقات مع دول الخليج، لاسيما السعودية؛ الدولة الأكبر في الخليج، بأبعادها الدينية والسياسية والاقتصادية الكبيرة. وقد شرعت الولايات المتحدة بمخطط دمج إسرائيل بعيدا عن أي تصور سياسي للقضية الفلسطينية يفضي إلى حل الصراع العربي الإسرائيلي وصولا إلى دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران تكون عاصمتها القدس الشرقية، كما دعت المبادرة العربية للسلام، التي تبنتها المملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية، في تجاهل واضح للحق العربي في فلسطين، وكخطوة رئيسية في شطب القضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر عادلة.
واعتمدت الولايات المتحدة في رؤيتها الجديدة مقاربةً ترتكز على تفاعل المصالح الاقتصادية والتنمية التكنولوجية وانسياب البضائع عبر الطريق العالمي الجديد، بديلاً عن الحلول السياسية في المنطقة.

“طوفان الأقصى” وتحدّي مشاريع تصفية القضية الفلسطينية
جاء طوفان الأقصى في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة والعالم. فالتنافس العالمي الاقتصادي الشرس ومحاولة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة تصفية القضية الفلسطينية، وإقناع الدول العربية بتجاهلها لصالح مشاريع تنموية عملاقة، ودمج إسرائيل بصورة طبيعية. أدى الطوفان بفعالية إلى فرملة قطار المشاريع الأمريكية في المنطقة، إلى حد كبير.
وكشف الطوفانُ الهشاشةَ العسكرية والأمنية الكبيرة لدى إسرائيل، وقدرةً عسكريةً وأمنيةً لافتةً لدى المقاومة.
شنت إسرائيل، بدعم أمريكي غير محدود حربَ إبادةٍ جماعيةٍ لإخضاع المقاومة وإنهائها، ومن ثم تمرير المخططات والمشاريع الأمريكية كلها.
وعلى الرغم من الدمار الشامل في غزة، وحالة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتلقي غزة لأكثر من تسعين ألف طن من المتفجرات، وسقوط أكثر من 120 ألف شهيد وجريح، إلا أن إسرائيل فشلت في مهمتها، ولم تستطع تحقيق أهدافها، وصمدت المقاومة، وبقيت يدها على الزناد لآخر لحظة. كما سجَّل الشعب الفلسطيني حالة صمود اسطورية غير مسبوقة على مر تاريخ الصراعات المسلحة، بل إنه عاد بمئات الألوف، عندما سنحت له الظروف من الجنوب للشمال، على الرغم من الدمار الشامل، في مشهد أسطوري أذهل المراقبين أجمعين.
فجاء تصريح ترمب، في هذا التوقيت، محاولا إنهاء المهمة التي عجزت عنها إسرائيل بنفسها، وكي يجعل غزة جزءا من مشروع أمريكا الاقتصادي الكبير، وتهجير سكانها إلى الأردن ومصر. وهنا تكمن خطورة التصريح، الذي يتوجب أن يقاوم بصورة حقيقية من الشعوب والحكام العرب.

خلاصات
* يبدو أن مشروع تهجير أهالي قطاع غزة واستيلاء الولايات المتحدة على القطاع، وإعادة بناء القطاع ليخدم المشاريع الأمريكية في المنطقة مشروع جدّيٌّ، مع وجود رئيس أمريكي يهوى الصفقات والتطوير العقاري.
* إن أشد المتضررين من الممر الاقتصادي الجديد هي الدولة المصرية، لأن إتمام المشروع سيضعف مكانة قناة السويس العالمية إلى حد كبير، واستتباعاً فإن أكبر المستفيدين من بقاء المقاومة الفلسطينية ومنع التهجير تحت أي ذريعة، وإعادة الإعمار وتثبيت أهالي غزة على أرضهم، هي مصر، وهو مصلحة استراتيجية مصرية.
* يتوجب أن يقف الجميع على الصعيد العربي، الرسمي والشعبي، لاسيّما في مصر والأردن والسعودية، موقفا حاسما ضدّ التهجير، والإصرار على عدم تمريره؛ لأن تمريره بصورة أو بأخرى، إنما يعني خطرا وجوديا داهماً على استقرار هذه الدول ومستقبل شعوبها.
* إن صمود أهالي القطاع والمقاومة حاسم في إجهاض مشاريع ترمـب، المتعلقة بالتهجير وإفراغ القطاع من أهله.
* من المتوقع عودة الحرب على القطاع بصورة أو بأخرى بعد انتهاء المرحلة الأولى من التبادل، في محاولة لتمرير مخططات ترمـب واليمين الصهيوني المتطرف.
* من الوارد أن يعلن ترمـب عن ضم الضفة الغربية، مما سيزيد الضغوط على سكان الضفة وعلى المقاومة فيها، وعلى السلطة الفلسطينية والدولة الأردنية.
* أصبحت المصالحة الفلسطينية ضرورة ملحة وواجبا وطنيا في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ للحفاظ على المصالح الوطنية الفلسطينية.
* يتوجب على العرب تقديم خطة واقعية لإعادة إعمار غزة، مع الإصرار على تنفيذ خطة إعادة الإعمار بالتزامن مع الحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته.
* على الدول العربية عقد مصالحات داخلية وترميم العلاقة مع الشعوب، والذهاب باتجاه مصالحات بينية لتحقيق أكبر قدر من المصالح المشتركة فيما بينهم.
* يتوجب على المقاومة أن تكون مرنة لصناعة حالة توافقية لليوم التالي للحرب، على أن يكون حلا عربيا فلسطينيا يحفظ مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته.

مواضيع ذات صلة
دول هشة تكافح شعبية القضية الفلسطينية!!
دول هشة تكافح شعبية القضية الفلسطينية!!

مارس 24, 2025 11:13 م

تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويكوف عن الدول العربية لا تبدو غريبة جدا، فقد صرح أو ألمح إليها العديد من...
“المجتمع الدولي” مصطلح غامض وخطير يختبئ العرب خلفه
“المجتمع الدولي” مصطلح غامض وخطير يختبئ العرب خلفه

مارس 23, 2025 8:10 م

أكثر مصطلح يتداوله النظام الرسمي العربي هو “المجتمع الدولي” ومطالبته “بتحمل مسؤولياته” وكأن 22 دولة عربية ليست من “المجتمع الدولي”!!يستسهل...
لماذا لا تستسلم يا عمر؟!
لماذا لا تستسلم يا عمر؟!

مارس 23, 2025 3:30 م

بعد أن تلقت حركة عمر المختار ضربات قاسية واضطرت للانسحاب إلى الجبال، في لحظة الضعف المادي هذه، جاء هذا الحوار....
الضفة الغربية قصة نجاح.. سموتريتش وداغان
الضفة الغربية قصة نجاح.. سموتريتش وداغان

مارس 23, 2025 3:22 م

فيما ينشغل نتنياهو بخوض معاركه مع رئيس الشاباك رونين بار والمستشارة القضائية غالي ميارا، ينشغل سموتريتش وزير المالية ويسرائيل غانتس...
معركة الكرامة الخالدة والتقدير الدقيق
معركة الكرامة الخالدة والتقدير الدقيق

مارس 22, 2025 7:54 م

عبد الله المجاليحتى هذا اليوم يكرر الصهاينة أن هدفهم من العدوان على الأراضي الأردنية صبيحة الحادي والعشرين من آذار عام...
تفاوض تحت النيران
تفاوض تحت النيران

مارس 22, 2025 11:44 ص

الغارات المكثفة التي يشنها العدو الصهيوني ضد قطاع غزة الباسل تحمل في طياتها كثيرا من المؤشرات على رغبة العدو الغاشم...