الأخبار

صمود جباليا أعظم بطولة طيلة قرن

ديسمبر 30, 2024 5:00 م
سعود أبو محفوظ

جباليا اليوم روضة من رياض الجنة، فيها كان الصبر ومنها تلوح بشائر النصر بعدما تحولت إلى لؤلؤة غزة وأيقونة الاسلام التي لم تغادر جبل الرماة بل حفظت وصية الشيخ نزار واستمرت ثابتة لتكون بداية النهار وأول الانتصار فهي التي حولت العالم إلى تلاميذ للتلقي في مدرسة صمودها.
جباليا مدرسة جهادية تجاوزت حدودها فغدت منارة في الاشراق والاشعاع، حيث تسطع أنوار جباليا بحجم محارقها وتتألق في ظهورها الحضاري بحجم دماء شهدائها، ففيها تبين الخيط الأبيض من الأسود، حين دشنت “سيف القدس، والسابع من اكتوبر”.
44 تكتلا سكانيا كلها ألهمت واكثرها ألهبت، وحدها جباليا تسيدت المشهد فأبهرت وأثخنت في العدو المدجج بالحقد الأسود فتحول شبابها الى مشاهير الأرض ومشاهير السماء، وكلما أشاع المرجفون أن حماس انتهت وفنيت تخرج لهم جباليا تزأر كالأسود وتنقض كالفهود.
أحرزت جباليا انتصارا اسطوريا على الحصار والتعطيش التجويع والتطويع والتركيع بعد هدم كامل المخيم والبلدة وتدمير كل الأعيان المادية ومنع الغذاء والدواء والكساء حتى الهواء كان ملوثا، ولكن أهل جباليا كيفوا عائلاتهم للعيش على مجرد الحشيش.
من أول لحظة اتجهت جباليا إلى التربية الاستراتيجية والتهيئة الاستراتيجية والاعداد الاستراتيجي والتعبئة الاستراتيجية التي منهاجها القرآن الكريم فتحقق لهم النصر الاستراتيجي نتيجة مستحقة لاستكمال أدواته وفي مقدمتها الصبر الاستراتيجي.
جباليا معقل العنفوان الفلسطيني ومعدن الجهاد والاستشهاد ومخيم الرجولة، فهي السيف الذي يذود والدرع الذي يحمي فلا زالت هذه المخيمات ركنا ركينا من أركان غزة الصابرة المصابرة فجل المهاجرين فيها انحدروا من حوض عسقلان الموصوفة نبويا والمعروفة رباطيا.
وحدها جباليا أثخنت بالفرقة 98 والفرقة 162 واللواء 401 الأمر الذي أرعب الغرب الصليبي المذعور أصلا من بسالة جباليا التي تعالت على أفتك الأسلحة وانفتحت لها الارض أنفاقا رغم الحصار الطويل وفقدان الظهير، وما أحسن قول العالم الشهيد ابن جباليا: “لو لم يتبق من فلسطين الا مجاهد واحد فسيكون من جباليا”، بصمودها فوق الاسطوري الذي تجاوز حصار لينينغراد حققت جباليا معجزة نادرة حين رفضت التهجير الى سيناء أو إلى النقب حسب الوصفة المصرية حتى ولا اللجوء الى الجنوب، وبقيت تقدم الالوف تلو الالوف حتى كسرت ارادة الاحتلال.
أمام العالم وامام الشهود والوجود كشفت جباليا عن حالة عصيان على الهزيمة واستعصاء على الانكسار، وأعطت للأمة دروسا في المصابرة وفائض الارادة ورسمت معالم نكبة نكبات العدو وشكلت الخيط الأبيض بين الخيوط السود، ففي 6/1/2024م تبجح دانيال هاغاري بتفكيك كتائب جباليا ومخيمها وهي التي صمدت في عام 2023م وتعملقت طيلة 2024م وهاهي تلج عام 2025م بكل عنفوان.
1,4 كم فقط هي مساحة جباليا التي هي الأكبر بين 67 مخيما فلسطينيا في الداخل والشتات، وهو معقل الحركة الاسلامية التي أطلقت الطوفان الذي دشن أطول معركة منذ العهد النبوي الشريف، 160 الف جبالي نزح بعضهم وتمترس الآخرون في المخيم فقدم كل دونم عشرات الشهداء والمصابين فما وهنوا ولا استكانوا رغم انهم لايملكون سوى الاعداد بدون امداد جوي ولا بحري ولا بري بل بالكاد يسلمون من الكيد العربي والحقد الغربي.
لقد قفزت بنا جباليا قفزة هائلة ونقلتنا الى الطرف الآخر من الهاوية فلا بد من دعمها في وجه فحيح الافاعي والا فالوقوع في الحفرة السحيقة لا سمح الله، ان جباليا أكبر من مخيم انما هي حالة كرامة وعزة أزهرت في نفوس الامة من أقصاها الى أقصاها لأجل أقصاها.
بمعزل عن تاريخها الناصع والمبهر وماضيها الجهادي المشرف ودورها المتميز الصامد في مواجهة خمسة حروب وأربع معارك في آخرعقدين، الا أن جباليا صمدت لثلاثة استهدافات طيلة 15 شهرا من الطوفان فكانت جدار الصد وخندق المد، ورغم مرور “11” اسبوعا من العجاف على الاجتياح الاخير الا ان التصدي الناجز للعدو كان الأشد.
24 كتيبة قسامية لتحمي كل منها كيلومترين طولا من القطاع بما فيها من الاهالي والممتلكات، واستماتت كتائب جباليا الأربع في العطاء الاستثاني الذي تفوق على المستحيل فقدمت فوجا تلو فوج من الشهداء ولا زالت تتجدد وتتمدد، تنقض فوق الأرض وتفتك تحت الأرض وأسفلها في انفاق تتلوى في اتجاهات شتى أفقيا وعموديا وفوهاتها أوقعت أفظع الخسائر في العدو باعترافه.
لقد شكل القرآن عقولهم فمخروا عباب هذا الطريق الخطر والمؤلم ولكنه أقصر الطرق لاقتلاع جذور هذا السرطان الذي استطالت جذوره في احشاء الامة مع المدى، وكما قال موشي دايان: “لقد رجعنا الى القدس ولن نتخلى عنها وبقي أمامنا يثرب واملاكنا فيها”!!! ولكن الله قيض قعيدا مشلولا ليبني تنظيما حديديا عقائديا ولم يحدث في التاريخ ان يبادر قائد خارج لتوه من الأسر لتغيير مجرى الصراع مع العدو وليطلق طوفان السابع من اكتوبر ميلادا جديدا للملة المحمدية في دورة انبعاثها الثانية!!!
ان الأقصى الحزين في محنته وشدته لم تسعفه الا دماء جباليا وأخواتها التي أطلقت طوفان الأقصى الذي وضع حدا لطوفان التطبيع، وأطلق طوفان المساجد في أركان الكون، وبعد 76 عاما من أحاديث الافك العربي وبعد فائض الغدر والخذلان الذي مكن مشروع العدو من الانتعاش والانتفاش، فإن صولات أبناء جباليا هي التي أردت عدوهم الغاشم في بئرعميقة من المآزق الوجودية التي ستفضي الى الزوال المحتوم .
ولكل مسلم ان يتخذ لنفسه مسارا ويشق طريقا ليترك بصمة مقدسية ولتكن بصمة الخواتيم، وليأخذ مكانه في معركة الوعي وليقوم بدوره في الانهاض عبر الولوج من دائرة الفهم الى الى فضاء الهم والاهتمام والمهمة المحددة وليكن قراره ضمن أقصى امكانياته، فلقد أسرجت جباليا حصانها وجهزت خيولها فأبهرت، ذلك ان الانسان يكبر بحجم القضية التي يحمل، وجباليا هي من دشنت الفداء وبذلت الدماء وقدمت الارواح فامتلكت الرؤية والرأي والرواية في مجابهة من يبشرون بمحارق “هارمجدون” وفتن الملاحم والمهالك النووية.
ترامب ونتنياهو يتجبرون ويتجهون الى حالة فرعنة وعلو جديد ويسعون للحصول على شرق أوسط جديد خال من المقاومة، دينه “الابراهيمية”، وسيده الدولة اليهودية الخالصة، ومركزه الآمر العاصمة اليهودية الصرفة، عبر اعادة انتاج “اسرائيل المهووسة” وفق روزنامة دينية مجنونة ومعدية وفتاكة، انهم يضمرون أمرا والله يريد أمرا والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لايعلمون، ونحن ليس أمامنا إلا ممر اجباري وقصير هو نهج جباليا سعيا لاسترداد المسجد الأقصى وفتح بيت المقدس وتتبير العلو واستكمال إساءة الوجه بعد خوض مراحل الالم.
وتبقى جباليا شمساً معنوية لا ينطفئ سناها ولا يخبو اشراقها واشعاعها، وستبقى على المدى رعشة العز ودفقة الدم وشرارة الروح، وان دماء أطفالها تشعرنا بثبات طلائع الطائفة المنصورة التي أخذت تتشكل حول الأقصى المبارك بدءا من جباليا التي غدت درع غزة وبوصلتها وجدارها ورادارها ومدارها، صحيح ان أشلاء جباليا طعنة في قلب كل مؤمن ودمعة تسيل على خد كل مسلم صادق الا انها هي التي تشعل القناديل أمام السالكين في هذا الطريق الطويل.

مواضيع ذات صلة
ضربة هاليفي الاستباقية وجراءة ويتكوف التفاوضية
ضربة هاليفي الاستباقية وجراءة ويتكوف التفاوضية

يناير 21, 2025 7:36 م

في ذروة الهجوم العسكري على جنين الذي اعلن عنه من مكتب نتنياهو تحت عنوان عملية “الجدار الحديدي”، فاجأ رئيس اركان...
هل يمكن التأثير في ترامب؟
هل يمكن التأثير في ترامب؟

يناير 21, 2025 7:20 م

برغم اندلاع عشرات المظاهرات الحاشدة المنددة بالدعم الأمريكي اللامحدود للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبرغم اشتعال الجامعات بتظاهرات مماثلة، وبرغم...
أسرى
أسرى

يناير 21, 2025 6:03 م

ما كان للأسير الفلسطيني أن يصمد لولا معرفته المسبقة بأن هناك ثلة مجاهدة تدافع عنه بسلاحهم البسيط، كما دافعت عن...
“السلطة” تنسحب من جنين والاحتلال يدخل مكانها ويرتكب مجزرة
“السلطة” تنسحب من جنين والاحتلال يدخل مكانها ويرتكب مجزرة

يناير 21, 2025 5:16 م

السلطة الفلسطينية ومنذ تسلم رئيسها محمود عباس السلطة في رام الله لم تظهر أي نوع من المقاومة أو الممانعة لطلبات...
صمدت المقاومة فانتصرت .. هل تُستأنف الحرب؟
صمدت المقاومة فانتصرت .. هل تُستأنف الحرب؟

يناير 21, 2025 11:14 ص

صمدت المقاومة، فانتصر الكف على المخرز، وباءت أشرس وأطول عملية عسكرية تشنّها “إسرائيل” في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بفشل ذريع...
أم موجوعة من الاشتياق خرجت من الأسر و”غصة في قلبها”
أم موجوعة من الاشتياق خرجت من الأسر و”غصة في قلبها”

يناير 20, 2025 9:22 م

على مدار 160 يوما كانت حبيسة العزل الانفرادي في إحدى أسوأ وأقدم الزنازين في قبية دولة المرتزقة.يتكرر اعتقالها منذ نحو...