“سهم باشان”.. لماذا تستلهم “إسرائيل” التوراة في اعتداءاتها على سوريا؟
- تعتمد “إسرائيل” بشكل متكرر على الرموز الدينية لتبرير سياساتها وعدوانها العسكري
- يشير الاسم لـ”عوج ملك باشان” المرتبط بالعمالقة الكنعانيين مما يضفي بعداً دينياً يوحي بمعركة مقدسة ضد “عدو تاريخي”
- يسعى اختيار الاسم إلى ترهيب الخصوم بإظهار العمليات كجزء من خطة إلهية مدعومة بأساطير تاريخية ذات رمزية قوية
- يُظهر الاسم توجهاً إسرائيلياً مستمراً لربط الحروب المعاصرة بصراعات توراتية قديمة كما حدث في تسميات: “عملية كادش”
السبيل – خاص
أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي اسم “سهم باشان”، المشتق من النصوص التوراتية، على العملية العسكرية التي شنها في سوريا، والتي أسفرت عن تدمير غالبية القدرات العسكرية للجيش السوري.
وتأتي هذه العملية في أعقاب تطورات دراماتيكية على الأرض، حيث تمكنت فصائل المعارضة السورية من دخول العاصمة دمشق والسيطرة عليها فجر الأحد الفائت، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، منهية عهداً دام 61 عامًا من حكم حزب البعث، و53 عامًا من حكم عائلة الأسد لسوريا.
وفتح هذا الانهيار للنظام السوري الباب أمام معادلة جديدة في سوريا، حيث سارعت “إسرائيل” إلى تكثيف هجماتها الجوية مستهدفة مواقع عسكرية مختلفة في جميع أنحاء البلاد.
وتزامنت هذه الهجمات مع تحركات إسرائيلية لفرض سيطرتها على المنطقة العازلة السورية على طول حدود الجولان المحتل، والتي يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومترًا ويتراوح عرضها بين 200 متر في الجنوب و10 كيلومترات في الوسط.
واعتبرت هذه الخطوة خرقًا لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، ما أثار إدانات دولية وعربية واسعة، بما في ذلك من الأمم المتحدة.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على مواقع استراتيجية في جبل الشيخ، أحد أهم المناطق الجغرافية في جنوب سوريا. وخلال العملية؛ دمرت “إسرائيل” نحو 80% من القدرات العسكرية السورية وفق مزاعمها، بما في ذلك الطائرات الحربية والمروحيات والدبابات والسفن البحرية، وفق بيانات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
الخلفية الدينية لاسم “سهم باشان”
اختار جيش الاحتلال اسم “سهم باشان” للعملية، مستلهَماً من التوراة؛ ففي النصوص التوراتية، تشير باشان إلى منطقة تقع جنوبي سوريا، حيث حكمها عوج ملك باشان، وهو شخصية مرتبطة بالعمالقة الكنعانيين، وهم شعوب سامية قديمة.
وجاء في التوراة وصف عوج وسريره الضخم المصنوع من الحديد: “إِن عوج ملك باشان وحده بقي من بقِيَةِ الرفائِيين… طوله تسع أذرع، وعرضه أربع أذرع بذراع رجل” (سفر التثنية 3: 11).
وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها جيش الاحتلال أسماءً مستوحاة من التوراة والتراث الديني اليهودي لعملياته العسكرية. فعلى سبيل المثال، استُخدم اسم “عملية كادش” خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956؛ في إشارة إلى مدينة توراتية في سيناء حيث يُعتقد أن مريم أخت النبي موسى دُفنت.
وتعتمد “إسرائيل” بشكل متكرر على الرموز الدينية لتبرير سياساتها وعدوانها العسكري؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خلال الحرب على غزة التي وصفها الفلسطينيون بأنها “حرب إبادة”، استشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدة مرات بآيات توراتية.
وفي أحد خطاباته أمام الجنود، قال نتنياهو: “تذكروا ما فعله عماليق بكم”، مشيرًا إلى قبيلة العماليق المذكورة في التوراة، والتي تُصور في الأدبيات اليهودية على أنها رمز للشر المطلق. واستُخدمت هذه الإشارة لتبرير الهجمات على غزة، في إطار استحضار سرديات دينية لتغطية أفعال عسكرية تُوصف بأنها انتهاكات للقانون الدولي.
ما دلالات الاسم؟
يعكس اختيار جيش الاحتلال اسم “سهم باشان” للعملية العسكرية في سوريا توجهاً مدروساً لاستخدام الرموز الدينية والتاريخية لتحقيق أهداف استراتيجية متعددة الأبعاد. فما دلالات ذلك؟
- البعد الديني والتاريخي:
يعكس اختيار اسم “سهم باشان” تركيزاً على استلهام الرموز الدينية التوراتية، حيث تشير باشان إلى منطقة تقع جنوبي سوريا؛ مما يربط العمليات العسكرية الإسرائيلية بسياق توراتي.
ويشير الاسم إلى “عوج ملك باشان”، المرتبط بالعمالقة الكنعانيين؛ مما يضفي بعداً دينياً يوحي بمعركة مقدسة ضد “عدو تاريخي”.
- إضفاء الشرعية الدينية والسياسية:
يستخدم الجيش الإسرائيلي هذه الأسماء لاستحضار شرعية دينية وسياسية لتبرير عملياته العسكرية، ما يمنحها زخماً داخلياً لدى الجمهور الإسرائيلي.
ويُظهر هذا الربط محاولة لتقديم العمليات كجزء من معركة مستمرة عبر التاريخ، مما يعزز السردية “القومية الإسرائيلية”.
- توجيه رسائل نفسية وإستراتيجية:
يسعى اختيار الاسم إلى ترهيب الخصوم بإظهار العمليات كجزء من خطة إلهية مدعومة بأساطير تاريخية ذات رمزية قوية.
وقد يُفسر استخدام أسماء توراتية كرسالة ضمنية إلى المجتمع الدولي، مفادها أن هذه العمليات ليست مجرد إجراءات أمنية، بل ترتبط بسياق أعمق يرتكز على الارتباط التاريخي والديني بالأرض.
- ربط الصراعات الحديثة بصراعات تاريخية:
يُظهر الاسم توجهاً إسرائيلياً مستمراً لربط الحروب والصراعات المعاصرة بصراعات توراتية قديمة، كما حدث في تسميات مثل “عملية كادش”.
ويُسهم هذا الربط في خلق صورة متواصلة عن العداء مع جيرانها باعتبارهم امتداداً لأعداء “بني إسرائيل” القدماء، وفق مزاعمهم.
- توظيف الدين في الصراع السياسي والعسكري:
يعكس استخدام الاسم توظيفاً للدين في الخطاب السياسي والعسكري الإسرائيلي، وهو نهج متكرر في العمليات العسكرية الكبرى.
ويشير إلى أن “إسرائيل” تستغل الرموز الدينية لتعزيز التوجهات السياسية والعسكرية على حساب سيادة الدول الأخرى.
- إبراز التفوق والقوة:
توحي كلمة “سهم” الواردة في اسم المعركة، بالدقة والقوة في استهداف العدو، وهو ما يتماشى مع رغبة الاحتلال الإسرائيلي في إظهار تفوقها العسكري والتقني في المنطقة.
ويُبرز الاقتران مع “باشان” التفوق الإسرائيلي في القضاء على القدرات العسكرية السورية، في إشارة إلى الانتصارات التوراتية القديمة.
- تعزيز الانقسام الثقافي والديني في المنطقة:
يعزز اختيار أسماء مستوحاة من التوراة الانقسام الديني والثقافي، ويؤكد التباينات بين “إسرائيل” و”جيرانها” مما يزيد من تعقيد العلاقات الإقليمية.
خلاصة الأمر..
إن اختيار اسم “سهم باشان” للعملية العسكرية الإسرائيلية في سوريا ليس مجرد قرار اعتباطي، بل يحمل دلالات دينية وتاريخية ونفسية وسياسية تهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية، سواء على مستوى الداخل الإسرائيلي أو في سياق الصراعات الإقليمية والدولية.