الصراع بين ترمب والدولة العميقة.. رحلة البحث عن متهم
حازم عياد
في تصريح صحفي يعتبر الأحدث من نوعه، أعلن مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة تنذر الحكومة الإيرانية بأن عليها وقف كل المؤامرات على المرشح الجمهوري دونالد ترمب، وستعتبر أي محاولة لاغتياله فعلاً حربياً، وفق “رويتر”.
تصريحات المسؤول الامريكي جاءت بعد انباء عن إيقاف مواطن امريكي مسلح عند نقطة تفتيش أمنية خارج تجمع انتخابي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، مساء السبت 12 تشرين الاول الحالي، في صحراء جنوب كاليفورنيا، على أنَّ الرجل الابيض الذي يدعى “ويم ميلر” أطلق سراحه سريعًا بكفالة قدرها 5 آلاف في ظل نفي مكتب التحقيقات الفدرالي لصحيفة “نيويورك تايمز” وقوع محاولة اغتيال، علمًا ان ميلر الذي ادعي تارة انه فنان، واخرى انه صحفي، كان يحمل عددًا لا بأس به من جوازات السفر المزيفة وبندقية ومسدس.
ليست الحادثة الوحيدة الغريبة؛ إذ تعرض ترمب لمحاولة اغتيال بعد عملية إطلاق نار قرب ملعبه للجولف في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا في سبتمبر (أيلول) الماضي على يد رجل ابيض، يدعى “ريان ويسلي روث”، إذ تمكن من اختراق كل الحواجز الأمنية، واشتبك مع الشرطة التي أطلقت عليه النار، ولاحقته حتى القبض عليه، محاولةٌ لم يتمكن المكتب الفدرالي من نفيها هذه المرة.
في حين ان المحاولة الاكثر إثارة أسفرت عن مقتل المهاجم وإصابة ترمب بأذنه بعد ان حاول شاب ابيض يدعى ” توماس ماثيو كروكس” خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسيلفانيا قتله في 13 من تموز/ يوليو، ليقتل كروكس على يد قناص اميركي.
محاولات الاغتيال كلها جاءت من مواطنين امريكان بيض عابري الانتماءات السياسية؛ إذ عرف عنهم التنقل من الحزب الجمهوري الى الديموقراطي، في حين عُرِف عن الفنان الصحفي الذي حمل جوازات سفر مزورة بأنه ينتمي لجماعة يمينة بيضاء متطرفة، وهو الاكثر إثارة للجدل؛ بسبب إطلاق سراحه رغم امتلاكه جوازات سفر مزورة وأسلحة نارية!!
الحوادث التي لم يشارك فيها أجانب أو ذوو بشرة سمراء او عرب او ايرانيون او مسلمون يدفع إلى طرح السؤال التالي: هل فعلًا تسعى ايران لاغتيال ترمب، أم أن هناك حملة تحريض داخلية امريكية واوروبية على دونالد ترمب؟
العلاقة بين الامن الفدرالي توترت مع ترمب ايام رئاسته (2016 – 2020)، ومن خلفه الدولة العميقة في اميركا التي سعت للتخلص منه عبر تحقيقات التدخل الروسي، وغيره من القضايا الاخلاقية والمالية، فهي تريد التخلص من ترمب عبر تحميل المسؤولية لخصم خارجي هذه المرة؛ فترمب شخصية إشكالية في اميركا، ويملك علاقات متوترة مع كافة أجهزة الدولة العميقة التي وعد بتطهيرها بمجرد عودته للرئاسة، علمًا أنه حاول فعل ذلك قبل خسارته انتخابات العام 2020 الرئاسية.
إشكالية ترمب لا تقتصر على رغبته في الثأر من الدولة العميقة، وتطهيرها من العناصر المعادية له، ولفكره النير! ولكن لحجم الإرباك الذي سيتسبب به للإستراتيجية الامريكية المتبعة في اوروبا وآسيا مع الصين وروسيا، فالاتحاد الاوروبي ودول الناتو قلقة من عودة ترمب على نحو يمكن أن يسهم في إضعاف حلف الناتو، والتهديد بتفكيكه بانسحاب او تجميد دول لعضويتها ونشاطاتها، خصوصا الدول الاوروبية؛ ما يجعل من اوروبا والدولة العميقة والطبقة السياسية الامريكية أشد عداءً لترمب، وتحريضًا على قتله من إيران.
ترمب بالنسبة للدولة العميقة والطبقة السياسية وطبقة رجال المال والاعمال والصناعة والحرب ليس رجل المرحلة، بل هو تهديد لها، ويكاد يكون الإجماع كبيرًا على ضرورة التخلص من الرجل عبر صنايق الاقتراع، وهناك من يرى إمكانية التخلص منه عبر وسائل اخرى -على الأرجح- فوصوله الى الرئاسية لن يوقف محاولات اغتياله، بل يمكن ان تزداد كثافة، وتصبح أكثر جدية.
ترمب بدروه يدرك هذه المعادلة؛ لذلك اختار للدولة العميقة وخصومه السياسيين في اميركا واوروبا خلفًا له نائبا للرئيس أكثر انعزالية، وأشد انغلاقًا ويمينية المتطرف جيه دي فانس؛ ما سيجعل من اغتيال ترمب مكلفًا على نحو كبير للدولة العميقة والقارة الاوروبية، وخصوصا أوروبا الغربية، وعلى رأسها القاطرة الألمانية.
فماذا لو فاز ترمب، وتولى نائبه الانعزالي جيه دي فانس السلطة من بعده؟ كيف ستكون الامور؟ وهل يعني ذلك ان اميركا ذاهبة نحو الفوضى بفوز ترمب او بخسارته، فالرئيس با يدن لا زال يحذر من الفوضى التي سيثيرها أنصار ترمب في حال خسارته الرئاسة أمام كاميلا هاريس؛ ما يعني أن الفوضى تعد خيارًا في كل الحالات؛ ما يجعل من اغتيال ترمب تحصيل حاصل لا أكثر، ولا أقل للفوضى التي ستكون أقل في حال غياب ترمب ومتحكم بها؛ باتهام ايران، او هكذا قد يعتقد بعض ممن يديرون الدولة العميقة في اميركا؟
في الختام، لا بد من التذكير بما قاله المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض شون سافيت: «إننا نعتبر الأمر مسألة تتعلق بالأمن القومي والوطني لها أولوية قصوى، وندين إيران بشدة بسبب هذه التهديدات الوقحة. إذا هاجمت إيران أياً من مواطنينا، فإنها ستواجه عواقب وخيمة» وهي تصريحات تؤكد أن مسرح الجريمة يُعَد بعناية والمتهم كذلك!!