رفع مصر أسماء من قوائم “الإرهاب”.. هل هي خطوة نحو المصالحة؟
السبيل – خاص
في خطوة اعتُبرت مفاجئة ومثيرة للاهتمام؛ قررت محكمة الجنايات المصرية رفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية، شملت شخصيات بارزة من جماعة الإخوان المسلمين وصحافيين ونشطاء.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اقتصادية واجتماعية، مما يعزز آمال كثيرين بأن تكون هذه البداية نحو مصالحة وطنية شاملة تضم جميع الأطياف السياسية.
ويرسل القرار، الذي جاء بعد مراجعة وتحريات من الأجهزة المعنية، إشارات إيجابية بأن الدولة المصرية تدرس خيارات تهدئة الوضع السياسي الداخلي.
وينظر مراقبون إلى القرار على أنه محاولة لبناء الثقة مع المعارضة، وخطوة باتجاه تعزيز الاستقرار الداخلي، مشيرين إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أكد في مناسبات عدة أهمية الحفاظ على وحدة الصف الوطني، ما يعكس توجهاً نحو ترميم النسيج الاجتماعي الذي تأثر بالاضطرابات السياسية على مدى العقد الماضي.
“الإخوان” والمصالحة
لعبت جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت جزءاً أصيلاً من المشهد السياسي المصري لعقود، دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية والخيرية والسياسية قبل وبعد ثورة 25 يناير.
ورغم الأزمات التي عصفت بالعلاقة بينها وبين الدولة بعد 2013؛ فإن المصالحة الوطنية قد تعيد فتح صفحة جديدة ترتكز على المصلحة العامة، خاصة في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات اقتصادية وأمنية.
ويمكن أن يفسر رفع أسماء شخصيات قيادية من قوائم الإرهاب، مثل يوسف ندا وجهاد الحداد وغيرهم، على أنه خطوة أولى نحو إعادة بناء جسور التواصل مع الجماعة.
من جانبها؛ قد تكون جماعة الإخوان المسلمين مستعدة للنظر في مقترحات المصالحة، خاصة أن الأوضاع الحالية تمثل فرصة لإعادة تقييم استراتيجياتها في ظل التهديدات المتصاعدة التي تواجهها غزة، والتحديات الإقليمية الكبرى.
ومع إدراك الجماعة لحجم المخاطر التي تفرضها الحرب الدائرة في القطاع، والتي قد تمتد تأثيراتها إلى مصر؛ يبدو أن هناك انفتاحاً من جانبها على الانخراط في مبادرة شاملة تركز على تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة هذه التهديدات، وخاصة إذا تمت معالجة ملف المعتقلين السياسيين، وأقدم النظام المصري على إصدار عفو عام عنهم.
لماذا الآن؟
لكن السؤال الأهم هو: لماذا هذه الخطوة الآن؟ وهل يمكن أن تمثل بداية عهد جديد يعزز المصالحة الداخلية، والاستقرار السياسي، والتنمية الشاملة في مصر؟
- الأزمة الاقتصادية الخانقة:
تعاني مصر من أزمة اقتصادية غير مسبوقة تتجلى في التضخم المتسارع، وارتفاع الدين العام، وتراجع قيمة العملة المحلية، مما قد يدفع النظام المصري إلى التفكير في حلول غير تقليدية لتهدئة الأوضاع الداخلية، كالمصالحة الوطنية، أو على الأقل تهدئة الصراع مع أطراف المعارضة، ما قد يسهم في تخفيف الاحتقان الشعبي وتعزيز الثقة الداخلية. - الاضطراب السياسي:
يرى مراقبون أن النظام المصري يدرك أهمية تحقيق وحدة الصف الوطني لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وقد يكون رفع أسماء مئات الأفراد من قوائم الإرهاب؛ محاولة لتهيئة المناخ لمزيد من التفاهمات مع الأطياف المعارضة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. - التطورات الإقليمية والحرب في غزة:
تمثل الحرب الجارية في غزة اختبارًا كبيرًا لمصر، التي تجد نفسها في وضع جيوسياسي حرج. فالدعم المصري التقليدي للقضية الفلسطينية، سواء من خلال جهود الوساطة أو المساعدات الإنسانية، أصبح أكثر تعقيدًا في ظل استمرار القصف الإسرائيلي والضغوط الدولية.
ومن جهة أخرى؛ قد يشعر النظام المصري بتهديدات متزايدة من “إسرائيل”، سواء بسبب احتمال تصعيد النزاع إلى الأراضي المصرية، أو تداعياته على استقرار سيناء.
وفي هذا السياق؛ يسعى النظام إلى تمتين الجبهة الداخلية واستعادة جزء من شعبية جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل قوة مجتمعية وسياسية لا يمكن تجاهلها.
- إعادة بناء صورة مصر الدولية:
مع تصاعد الانتقادات الدولية بشأن قضايا حقوق الإنسان في مصر؛ تأتي هذه الخطوة كإشارة إيجابية لتحسين صورة البلاد أمام المجتمع الدولي.
هل المصالحة ضرورة استراتيجية؟
تمثل التطورات الأخيرة فرصة حقيقية للنظام المصري لإعادة ترتيب البيت الداخلي في وقت حساس. فإعادة فتح قنوات الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تتمتع بجذور عميقة في المجتمع المصري، يمكن أن تسهم في تعزيز الاستقرار وتوحيد المواقف تجاه التحديات الإقليمية.
وإذا كان النظام المصري يهدف إلى استثمار اللحظة الراهنة لبناء وحدة وطنية حقيقية؛ فإن المصالحة الشاملة ليست خيارًا فقط، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة المستقبل، وخاصة مع استمرار الحرب في غزة، واحتمال اتساع رقعة الصراع.
إضافة إلى ذلك؛ فإن المصالحة الوطنية يمكن أن تسهم في تقوية موقف مصر الإقليمي والدولي، حيث تعزز من صورتها كدولة قادرة على احتواء الاختلافات الداخلية وإظهار نموذج إيجابي في إدارة الأزمات السياسية. وفي ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، من صعود القوى الإقليمية إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية؛ فإن توحيد الجبهة الداخلية يمنح مصر وزنًا سياسيًا أكبر وقدرة أكبر على حماية مصالحها.
علاوة على ذلك؛ يمثل استيعاب أطياف المعارضة، بما في ذلك الإخوان المسلمون، خطوة نحو تقليل التوترات الداخلية التي يمكن أن تستغلها قوى خارجية لإضعاف الموقف المصري، فإعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السياسي قد تكون المفتاح لدولة أكثر استقرارًا وقادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية بكفاءة.