التركة الثقيلة
كاتب المقال : مهند أبو فلاح

الاضطرابات والصدامات المسلحة التي تعصف اليوم ببعض المناطق السورية خاصة الساحلية منها دفعت العديد من المراقبين المتابعين لشؤون هذا القطر العربي الشقيق للتساؤل عن مستقبل البلاد التي تحدق بها الأخطار الخارجية والداخلية على حدٍ سواء، في ظل هذا المخاض العسير التي تشهده منذ الاطاحة بنظام آل الأسد الذي حكم البلاد على مدار أربعةٍ وخمسين عاما.
اليوم واكثر من اي وقت مضى تبرز الحاجة إلى قيام سلطة مركزية قوية في دمشق الفيحاء قادرة على استيعاب واحتواء كافة مكونات النسيج الاجتماعي السوري، وإقامة دولة قانون ومؤسسات راسخة تدير شؤون هذا البلد المحوري في منطقة الشرق الأوسط على نحو ديمقراطي يعطي كل ذي حق حقه بعد عقود من القهر والظلم الذي تعرض له السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب الحر الاصيل.
إن التحذيرات التي أطلقها الباحثون المختصون حتى ما قبل اندلاع الثورة السورية في آذار / مارس من العام 2011 لم تأخذ بعين الاعتبار حول احتمال إغراق البلاد في حرب أهلية تأخذ طبيعة طائفية ومن هؤلاء الباحثين كارولين دوناتي الصحفية الفرنسية المختصة بشؤون الشرق الأوسط .
في العام 2009 و قبل نشوب الثورة في سورية بعامين صدر في باريس كتاب باللغة الفرنسية تمت ترجمته في العام 2012 للميلاد إلى اللغة العربية من قبل دار رياض الريس تحت عنوان “الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة” لهذه الصحفية الفرنسية كارولين دوناتي، وعلى الغلاف الخلفي للكتاب وردت العبارة الآتية المقتبسة من مقدمة الكتاب: ” لقد استعمل النظام سياسته الخارجية القومية العربية حجةً لتبرير أوجه الخلل الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما حرمان السكان حرياتهم وحقوقهم الاقتصادية؛ إذ تعيش شريحة كبيرة من السوريين دون خط الفقر، فضلاً عن أن هذه السياسة قد ساعدته على احتواء خطر الإسلاميين، واذا أراد النظام تغيير استراتيجيته فسيتطلب ذلك ايجاد ضمانات فورية للسكان، وتأسيس عقد اجتماعي جديد لتفادي اندلاع اضطرابات جديدة قد تتخذ شكلا طائفيا ( ….. )”.
تجنب الوقوع في أخطاء النظام الاسدي السابق يشكل ركيزة أساسية لضمان وحدة سورية وسلامتها واستقرارها، وتجنيبها فتناً داخلية لا تصب إلا في مصلحة الطامعين بأراضيها، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني الذي لا يخفي حكامه الفاشيون رغبتهم في الاستيلاء على مزيد من أراضي سورية، ناهيك عن استعدادهم لدعم أية حركات انفصالية في طول البلاد وعرضها؛ للحيلولة دون قيام دولة قوية مزدهرة في هذا القطر العربي تشكل قاعدة تهديد محتملة ولو على المدى البعيد للدويلة العبرية المسخ.