هل ينجح نتنياهو في تحويل الكارثة الوجودية الى فرصة تاريخية؟

يحاول الاحتلال الاسرائيلي مواجهة الكارثة الوجودية التي اعادته الى العام 1948 وما قبلها الى فرصة تاريخية، بتوسيع عدوانه على قطاع غزة ليشمل الضفة الغربية وسوريا ولبنان، بل والذهاب بعيدا على أمل أن يحول المنطقة العربية برمتها إلى ضفة غربية يقتحمها يوما ويحاصرها في يوم آخر.
إسرائيل بهذا المعنى حلم كل سياسي غربي داعم للمشروع الاستعماري الصهيوني، فهي الكيان القادر على تمزيق المنطقة العربية، واعاقة تطورها ونمائها، وتحويلها إلى كيانات تابعة متصارعة يشرف عليها الكيان الاسرائيلي، النموذج الذي يحاول قادة الاحتلال وعلى رأسهم نتنياهو اختباره اليوم في سوريا من خلال التهديد باستهداف دمشق وحكومتها وجيشها الآخذ في التشكل بحجة حماية الاقليات والمجموعات الدينية.
صيغة ممكن أن تتكرر في لبنان والعراق والسودان وفي كل مكان تضعف فيه الدولة المركزية لتصبح كتل اجتماعية متصارعة على نمط ملوك الطوائف الـ22 في الأندلس الذين استعانوا بخصمهم ألفونسو السادس ملك (ليون وقشتالة) في القرن الثاني عشر (الخامس الهجري).
الطموح الاسرائيلي كبير وازداد تضخما بوصول الرئيس الامريكي دونالد ترمب الى البيت الابيض مستعيدا موقعه الذي فقده في العام 2020، غير أن الطموح الاسرائيلي الذي يطمح له ( نتنياهو السادس ) إن وجد اذانا صاغية لدى قطاع واسع من اليمين الاسرائيلي إلا أن القدرة على توفير الموارد له للبقاء في حالة حرب وصراع بين كر وفر يفترض تواصل الدعم الغربي الاوروبي الاميركي لادامة هذا المشروع.
مشروع تتعاظم وتتضاعف كلفه يوما بعد الاخر، بل و تبدوا كلفه مستحيلة في ظل مقاومة فلسطينية حقيقية تقود رفضا عربيا واسلاميا أوسع، وإنقسام أيديولوجي بين تيار علماني قومي متطرف وتيار ديني متطرف داخل الكيان، وشرخ أخذ في التوسع بين القارة الأوروبية والولايات المتحدة التي تبحث عن خلاصها في ظل الصعود الصيني والاستنزاف الروسي للاستراتيجية الامريكية الساعية لمواجهة الصين .
بالعودة الى القوى الغربية فإن الطموح الاسرائيلي لتحويل الكارثة الوجودية الى فرصة تاريخية تبدو وهما لن يعالج الازمة الوجودية للاحتلال بل يفاقمها، لتتحول إلى أزمة وجودية للنفوذ الغربي المستنزف اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، فهي وصفة نجاح للصين تعيد هندسة المنطقة ولكن الى غير صالح القوى الغربية، التي لازالت تستهويها رغم الكلف المرتفعة فكرة إسرائيل كيكان استعماري في المشرق العربي الإسلامي.
ختاما .. المعركة تبدو طويلة والفوضى تبدو واعدة في الإقليم، فالفرصة التي يبحث عنها نتنياهو للهروب من الاستحقاق الوجودي تتحول الى مسار اجباري لا بد من اختباره اسرائيليا وأميركيا قبل اعلان الفشل و الإقرار بالحقيقة التي ستبقى وجودية في جوهرها للاحتلال وداعميه في المنطقة العربية.