هل يكتفي الأردن بالشراكة الإستراتيجية مع أوروبا لملء الفجوة الترمبية؟

كتب: حازم عياد
أُعلن يوم الاحد عن زيارة ملكية الى بلجيكا، التقى فيها الملك عبد الله الثاني ملك بلجيكا وبصحبته ولي العهد. الزيارة جاءت بعد ساعات من اتصال الرئيس الامريكي دونالد ترمب بالملك يوم السبت الفائت، وهو الاتصال الذي سرب فحواه ترمب للصحفيين خلال رحلته الى الاراضي المنكوبة بالحرائق في لوس انجلوس، قال فيها ترمب إنه طالب الاردن باستقبال الفلسطنيين من غزة، وإنه سيفعل الأمر ذاته مع الرئيس المصري اليوم الذي يليه، ويقصد بذلك الاحد الفائت.
لا تتوافر معلومات دقيقة حول طبيعة الزيارة الملكية لأوروبا؛ كونها جاءت بعد ساعات من تصريحات ترمب، فهل كانت الزيارة مجدولة على برنامج الملك وولي العهد، أم أنها في سياق تحرك اردني سريع باتجاه اوروبا وبروكسل تحديدا، لتسريع اتفاق الشراكة الاستراتيجية؛ إذ تبع الزيارة إعلان بروكسل يوم امس الثلاثاء وعلى نحو مباغت عن اتفاقية يرفع فيها الاتحاد الاوروبي مستوى العلاقات بين الأردن والاتحاد إلى شراكة استراتيجية شاملة تُوقَّع اليوم الأربعاء.
وبحسب ما نقل عن مصادر اوروبية، فإن الشراكة الجديدة ستتضمن “حزمة دعم كبيرة”، فهل ستعالج هذه الحزمة الكبيرة الفجوة التي تولدت عن سياسات دونالد ترمب الفجة والمتهورة والجشعة؟
إذ لم يستثنِ ترمب الاردن من الضغوط بالإعلان عن تعليق المساعدات الامريكية التي شملت دول العالم لمدة تسعين يوما؛ الامر الذي هدد بخلق فجوة كبيرة في الموازنة الاردنية التي كانت تتوقع حصولها على 800 مليون دولار امريكي كدعم مباشر لمواجهة الضغوط التمويلية والعجوزات الناجمة عن خدمة الدين المتصاعدة.
تحركات ترمب في الاقليم للتعامل مع مأزق الاحتلال الاسرائيلي، وحالة الانسداد التي تعاني منها السياسية الامريكية في الاقليم، والتي جاءت على شكل ضغوط امريكية على اسرائيل لخفض التصعيد، في مقابل ضغوط ترمبية اقتصادية على الشركاء والاصدقاء لعلاج أزمة الكيان، وفشله في تحقيق الأمن وتمرير مشاريعه الاستيطانية والتطبيعية في الضفة وقطاع غزة، سرَّعت من التحرك الاوروبي الاردني نحو اتفاقية الشراكة الاستراتيجية على الارجح.
فهل استبق الاوروبيون الازمة التمويلية التي كان من الممكن تتفاقم خلال الاشهر المقبلة لتترك آثارها على المركز لمالي والائتماني للاردن؟ وهل يمكن الاكتفاء بالتحرك الاوروبي أم يحتاج الامر الى إجراءات محلية بذات السرعة من قبل الحكومة للتعامل مع الازمة التي صنعها ترمب في العالم كله؟
وزارة الخارجية وشؤون المغتربين أكدت أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة تفتح آفاقا أوسع للتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري والدفاعي والأمني؛ ما يعني ان بوابة ومروحة واسعة من بنود التعاون يعول عليها الاردن للتعامل مع السنوات الاربع المقبلة؛ ما يؤكد ان العديد من الدول الاوروبية على إدراك تام بالمخاطر المتولدة عن السياسة الترمبية الرعناء التي ستعصف بأمن الشركاء في الاقليم والمنطقة، هو ما عُبِّر عنه أوروبيًّا برفض سياسة التهجير على لسان المستشار الالماني، وفي بيانات الخارجية الفرنسية التي سترعى الشراكة باعتبارها قاطرة الاتحاد الاوروبي.
في الختام.. لا يُتوقع ان يقف ترمب عائقًا امام التعاون الاوروبي الاردني، فما سعى إليه تحقق بعد أن ظهر كرجل قوي وحاسم في اميركا امام اليمين المتطرف في الكونغرس، وفي المحافل السياسية الامريكية؛ فالاستعراض الترمبي حقق غاياته، على أمل أن يكتفي بما حققه، وأن لا يتخذ مزيدًا من الاجراءات التي تعقد الموقف، وتقلص من هامش المناورة للدولة الاردنية، لتضطر بعد ذلك للتصعيد، وعدم الاكتفاء بالمناورات السياسية المعتمدة على الدبلوماسية الشعبية والبرلمانية للتصدي للخطاب الترمبي؛ فترمب سيبقى كابوسًا ممتدًا لأربع سنوات، يعلو ويخبو بحسب مزاجه، ومدى نشاط وفاعلية اليمين الاسرائيلي المحيط بترمب وتطورات المشهد، واخيرا مستوى التدهور الحاصل في الضفة الغربية خلال السنوات الاربع؛ ما يعني ان التمويل والشراكة الاستراتيجية مع اوروبا وحدها لن تكون كافية على الارجح.