“نتساريم”.. محور “الموت” الذي يخطف أرواح الغزيين
السبيل – مساحةٌ عازلة اقتطعتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لتفصل شمالي قطاع غزة عن جنوبه، عبر ممر يُطلق عليه “محور نتساريم”، حتى يكون طريقًا للموت والفتك بحياة النازحين من شمالي القطاع إلى جنوبه.
نقطة تفتيش عسكرية تحمل بين جنباتها خطر الموت المتعمد بأشكال متعددة، والاختفاء القسري، هذا ما يواجه النازحون من شمالي القطاع إلى جنوبه.
“إعدامات ميدانية، نهش الكلاب الضالة لأجساد المصابين الأحياء، فضلًا عن هدير الرصاص الذي لا يهدأ على مدار الساعة على كل من يقترب حدود معسكرهم الذي جهز بأعتى أدوات الحماية وأجهزة الاستشعار والحماية، أمام مدنيين عزل اشتاقت عيونهم لرؤية من تركوهم خلفهم شمالي القطاع، فباءت جل محاولاتهم بالفشل”.
محور الموت
“محور الموت”، الذي فتك بحياة الغزيين على طريق يبلغ مساحته 6 كيلو مترات، أصبح مترادفًا لرحلة العذاب والوجع والقهر وفصول معاناة أُخفيت قسرًا عن مرأى العالم.
تقول هالة نبهان إحدى النازحات جنوبي القطاع: “حاولت كتيرًا أن أرجع إلى شمالي القطاع عند ابني وزوجي، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل دون جدوى في خطف نظرة على جباليا”.
وتضيف نبهان “منذ شهر مارس الماضي، وأنا أسعى وأحاول أن أرجع للشمال بأي طريقة أو وسيلة بس على الفاضي”.
وتتابع “من بين وسائل العودة كان طريق حاجز نتساريم، لكن هذه رحلة عذاب وموت فوق الوصف ولا حصر لها”.
“مجرد أن تخطو رجلك خطوة على أرضية حاجز نتساريم وسيل رصاصات جنود الاحتلال تنهال كالمطر على كل مكان واتجاه من يقترب منه”. تقول نبهان.
وتردف “كل من يُصاب ولا يستطيع الإفلات من قناصة جيش الاحتلال، يُترك حتى ينزف وتنهش الكلاب الضالة جسده وهو ما يزال يتنفس، وكل من يحاول مساعدته يتعرض لمطر من الرصاص الذي يتسابق جنود الاحتلال على إفراغه في أجساد الغزيين”.
عمليات قتل وإعدامات ميدانية تروي حكاياها مفقودين غيبت آثارهم وفقدت أجسادهم بين أنياب ووحوش افترست آدميتهم وبخرت جثامينهم.
مأساة ومعاناة
وتسير النازحة نبهان على طريق يفصل قلبها وروحها عن جسدها، تُحاول عبثًا القدرة على تخطي الحاجز اللعين، كي تلتقي بمن تركتهم خلفها شمالي القطاع.
تقول نبهان: “كان شهر مايو الماضي نقطة فارقة، صمّمت على إثرها وجوب العودة بأي ثمن، فكان نبأ استشهاد نجلها طعنة خطفت قلبها وأردته مذبوحًا ينزف دون طبيب يُعالجه أو يُواسيه”.
و”بعد استشهاد عبود شعرت أني فقدت قطعة من روحي بيومها ترجيت الكل يودوني أودعه بس دون فائدة”.
وتضيف “حاولت بعد استشهاد ابني أكثر من مرة أعبر حاجز نتساريم، لكن واجهتني تصريحات بإطلاق النار دون رأفة ورحمة بأي أحد”.
وتؤكد أنها ما زالت تحلم بالعودة، ورغم ما رأته عينيها من مجازر ومذابح لن توقف عن محاولات الالتقاء بزوجها وزيارة قبر ابنها.
وما يحدث على “حاجز الموت” يعد فصلًا من مأساة الفلسطينيين المستمرة، لأن العودة لمحافظة الشمال أصبحت رحلة موت تخطف أرواحهم بألم وحسرة.
وفي 18 كانون الأول/ديسمبر الجاري، أظهر تحقيق نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية شهادات مروّعة لجنود من جيش الاحتلال نفذوا عشرات عمليات الإعدام الميدانية بحق مدنيين فلسطينيين على أطراف ما بات يعرف بـ”محور نتساريم” جنوب مدينة غزة.
وبيّن التحقيق، أن جنود الاحتلال تلقوا أوامر بإعدام أي فلسطيني يقترب من تلك المنطقة، حتى لو كان أعزلًا، أو كان طفلًا أو امرأة.
ونقلت الصحيفة عن أحد الجنود قوله، خلال رصده فتى فلسطيني يقترب من المنطقة، إنه أبلغ مسؤول كتيبته أن الفتى غير مسلّح فأجابه الضابط “مَن يجتاز هذا الخط فهو مخرب دون استثناءات، ولا يوجد مدنيون هنا”.
وعلى أثر ذلك، أعدم الجندي الفتى، ثم أُرسلت صورته للاستخبارات الإسرائيلية ليتبين أنه لم يكن على علاقة بأي نشاط مسلّح.
وسلّط التحقيق الضوء على استخدام جيش الاحتلال صواريخ مضادة للدروع ضد مدنيين عزّل قرب “محور نتساريم”.
ونقل عن أحد الجنود قوله إنه تم استهداف 4 فلسطينيين كانوا يسيرون قرب المحور، رغم أن الطائرة المسيّرة رصدت عدم حملهم أي سلاح.
وبدعم أمريكي، ترتكب “إسرائيل” منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إبادة جماعية فى قطاع غزة، خلفت أكثر من 152 ألف شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.