غزة.. صمود شعب يستمد قوته من الإيمان

السبيل – خاص
بعد أشهر من الحرب والتدمير، ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال والمقاومة، لا تزال آثار الحرب والحصار تثقل كاهل المجتمع الغزي، لكنه أثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد كتلة سكانية تتأقلم مع الأوضاع، بل هو مجتمع مجاهد يصمد في وجه المحن، بإيمان صلب، وصبر لا ينفد.
ورغم حجم المعاناة والآلام التي خلفتها الحرب؛ لم ينكسر هذا الشعب، بل ازداد تمسكًا بمقاومته، مؤمنًا بعدالة قضيته، وبوعد الله لعباده الصابرين.
إيمانٌ يثبت في وجه المحن
لم تكن الحرب على غزة مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت امتحانًا لإرادة شعب بأكمله. ومع الدمار الذي خلفه الاحتلال؛ وجدت العائلات الغزية نفسها أمام تحديات قاسية، لكنها واجهتها بثبات المؤمن الذي يدرك أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
كان الإيمان بالقضاء والقدر عاملاً أساسيًا في تأقلم الغزيين مع واقعهم الجديد، فهم يرون في الابتلاء فرصةً للثبات والتقرب إلى الله، مستذكرين قوله تعالى: “وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”.
في كل بيت فقد شهيدًا؛ تجد الكلمات الأولى التي ينطق بها أهله هي: “حسبنا الله ونعم الوكيل”، و “نحتسبه عند الله في الشهداء”.. هذا اليقين الراسخ لم يكن مجرد كلمات، بل هو عقيدة عاشها أهل غزة، مما جعلهم يتقبلون آلامهم ليس على أنها خسائر، بل بوصفها جزءًا من معركة ممتدة بين الحق والباطل.
سر الصمود رغم الحصار
ورغم ضيق الحال؛ كان التضامن بين أهل غزة صورة مشرقة تُعبِّر عن أصالة هذا الشعب. فالمساعدات لم تكن تأتي فقط من الجمعيات الخيرية أو الهيئات الإغاثية، بل من الجار إلى جاره، ومن القريب إلى قريبه.
تقاسم الطعام والمأوى، مساندة من فقد بيته، رعاية أبناء الشهداء، كلها مشاهد يومية تؤكد أن هذا المجتمع قادر على مواجهة التحديات بروح واحدة.
ولم يكن التكافل ماديًا فقط، بل امتد إلى الدعم النفسي والمعنوي، حيث تجد الأحاديث في المجالس والأسواق والمدارس تدور حول الصبر والأجر، والتذكير بأن العاقبة للمتقين، وأن الله لا يخذل عباده المؤمنين.
هذا الخطاب الإيماني عزز من قدرة الناس على التكيف مع المصاعب، وحماهم من الانكسار النفسي أمام آلة الحرب الصهيونية.
المقاومة في كل بيت
لم يكن المجتمع الغزي مجرد متفرج على الحرب، بل كان جزءًا من معادلة الصمود والمواجهة. فقد واصل الناس حياتهم رغم كل الصعوبات، فتجد الأسواق تعمل وإن كانت الإمكانيات محدودة، والمدارس تستمر في التعليم ولو تحت السماء المفتوحة، والعبادة لا تتوقف حتى في أقسى الظروف.
هذه التفاصيل اليومية، التي قد تبدو عادية في أماكن أخرى، كانت في غزة فعل مقاومة، ورسالة واضحة للاحتلال بأن هذه الأرض لن تنكسر، وأن شعبها لن يستسلم.
حتى الأطفال، الذين أراد الاحتلال كسرهم نفسياً، حملوا صور شهدائهم بفخر، وتحدثوا عن المستقبل بثقة، وأصبحوا أكثر وعيًا بقضيتهم.
وهذا الوعي المتنامي، المدعوم بالإيمان، هو الضمان الحقيقي لاستمرار المقاومة، جيلاً بعد جيل.
انتصار بالصبر كما بالمقاومة
ويبقى المجتمع الغزي شامخًا، متجاوزًا جراحه بالإيمان، متكئًا على يقين لا يتزعزع بأن النصر وعدٌ من الله لعباده الصابرين.
فكما صمدت المقاومة في الميدان، صمد أهل غزة في بيوتهم، مؤمنين بأن معركة التحرير لا تقتصر على المواجهة العسكرية، بل تشمل أيضًا الثبات في وجه الحصار، والتكيف مع الأوضاع، وبناء جيل جديد يحمل الراية بلا تردد.
غزة اليوم رغم أنها منهكة بفعل الحرب، إلا أنها أكثر صلابة، وأكثر يقينًا بأن هذا الطريق، رغم تضحياته، هو الطريق الوحيد للحرية.
وفي كل بيت غزي هناك شهيد، أو جريح، أو أسير، لكن هناك أيضًا إرادة لا تلين، وقلب ينبض بالإيمان، ولسان يلهج بالدعاء: “اللهم إنك ترى مكاننا، وتسمع دعاءنا، فانصرنا على عدوك وعدونا، يا قوي يا متين”.