مختص: هذا ما يفعله الاحتلال في الأقصى لتأسيس “الهيكل”
السبيل
أكد المختص في شؤون القدس زياد إبحيص أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى تحت قيادة “تيار الصهيونية الدينية” إلى الإحلال الديني في المسجد الأقصى المبارك، ما يعني إزالته من الوجود، وتأسيس “الهيكل” المزعوم على كامل مساحته التي يدور حولها السور.
وقال إبحيص، في تصريحات صحفية لوسائل إعلام فلسطينية يوم الأربعاء: إن” الاحتلال يتبنى استراتيجية تدريجية للوصول إلى هذه الغاية، من خلال مبدأ التقاسم، أي تحويل هوية المسجد الأقصى من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك، تمهيدًا لتغيير هويته بالكامل”.
تقاسم مشترك
وأضاف أن “هذا التقاسم أخذ ثلاثة أشكال حتى الآن: التقسيم الزماني، والمكاني، والتأسيس المعنوي للهيكل”.
وأوضح أن التقسيم الزماني يعني استثمار وجود شرطة الاحتلال في الأقصى لأجل تسهيل اقتحامات المستوطنين المتطرفين، وتقييد حركة المصلين والمرابطين أو حتى منعهم من دخول المسجد.
وأشار إلى أن الاحتلال بدأ في عام 2003 بفرض اقتحامات المستوطنين أفرادًا، وفي عام 2006 تم تحويل الاقتحامات إلى أفواج جماعية تتراوح أعدادها ما بين 15- 20 في الفوج الواحد، وبعام 2008 فرض أوقات خاصة للاقتحامات من 7- 10:30 صباحًا، ومن 1:30- 2:30 بعد الظهر، ثم العمل على زيادة هذه الأوقات تدريجيًا وصولًا إلى طرح فكرة المناصفة في الأوقات والأعياد في مشروعي قانون في 2012 و2013.
وتابع أن “التقسيم المكاني تلا ذلك، إذ استهدف قضم الساحة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، ووقف الرباط المؤسسي في وجهه ما بين عامي 2008 و2013، ثم انتقل التركيز إلى الساحة الشرقية للأقصى في محيط مصلى باب الرحمة، وأفشلته هبة باب الرحمة عام 2019، وإن كان التعويل على اقتطاع الجهة الشرقية للمسجد ما زال قائمًا ومستمرًا”.
وأكمل إبحيص أن “الشكل الأخير للتقاسم يشكل محور تركيز الجهود الصهيونية اليوم وهو التأسيس المعنوي للهيكل، عبر فرض كامل الطقوس التوراتية في المسجد الأقصى والتعامل معه كأنه هيكل حتى وإن كانت كل أبنيته ما تزال إسلامية”.
وأضاف “لذلك نُشاهد المتطرفين يعملون على فرض الطقوس التوراتية المتعلقة بكل عيد من أعيادهم التوراتية، في توظيفٍ للطقوس الدينية كأدوات استعمارٍ وهيمنة، وعدوانٍ على المسجد، بغية تغيير هويته، وهذه منبع الخطورة الذي يفرض مواجهتها بكل أدوات المقاومة الممكنة”.
معركة وجود
وحول تمادي الاحتلال والوزير المتطرف إيتمار بن غفير في اعتداءاته على الاقصى، قال إبحيص: إنه “مع انطلاق طوفان الأقصى تكرست إضافة جديدة في نظر الاحتلال للمسجد المبارك، باعتباره بوابة لتفريغ معركة الطوفان من معناها، علاوة على نظرته إليه باعتباره بوابة لمعركة التصفية ولاستدعاء التدخل الإلهي”.
وأكد أن “الاحتلال حرص على استدامة حصار الأقصى طوال مدة الحرب على قطاع غزة تقريبًا مع استثناء نسبي في شهر رمضان، وأطلق يد المستوطنين في فرض الطقوس التوراتية بدءًا من نيسان/أبريل الماضي، الذي شهد (عيد الفصح) العبري، في رسالة مفادها أن طوفان الأقصى لم يُكبل يده عن العدوان، وأنه وبعد الطوفان بات أكثر إقبالًا وقدرة على العدوان على المسجد، وبذلك بات عدوانه عليه مؤشر حيوية وبقاء في وعيه”.
وتابع “وبذلك تكون المقاومة قد تمكنت عبر المحطات المتتالية من تحويل الأقصى في وعي الاحتلال إلى عقدة تهزه عميقًا ويحاول مغالبتها”.
وحسب المختص في شؤون القدس، فإن “المتطرف بن غفير يعتبر تغيير هوية الأقصى أحد أساسات برنامجه الانتخابي، وينظر إلى الرسالة التي وجهتها إليه جماعات الهيكل في كانون ثاني/ يناير 2023 بوصفها برنامجه العملي، ويعمل على تنفيذ بنودها العشرة تدريجيًا”.
وأشار إلى أنه من هذا الباب عمل بن غفير على زيادة أعداد المقتحمين للأقصى، وباتوا يُؤدون كامل طقوسهم التوراتية تحت رعاية شرطة الاحتلال، بل وبمشاركتها أحيانًا ليتوج عملية تدريجية في تغيير بنية ودور الشرطة داخل المسجد وفي محيطه.
وشدد على أن بن غفير يُحاول الانتقال خطوةً إلى الأمام في محاولة للاستفادة من حالة الاستفراد التي فرضتها شرطته مع “جماعات الهيكل” في الساحة الشرقية للأقصى وكأنها كنيس غير معلن، تُقام الطقوس التوراتية فيها على مدار السنة بواقع خمسة أيامٍ في الأسبوع.
وحذر إبحيص من استمرار تصاعد أجندة تهويد المسجد الأقصى وتحولها التدريجي إلى مركز الاهتمام الصهيوني، مبينًا أن الأعياد اليهودية في كل عام تُشكل موسم العدوان الأعتى على المسجد.
ولفت إلى أن الاحتلال حوّل موسم الأعياد عبر التاريخ الحديث إلى “موسم ثورات الأقصى”، ففيه وقعت مجزرة الأقصى عام 1990 و”هبة النفق” في عام 1996، وانطلقت انتفاضة الأقصى 2000، و”انتفاضة السكاكين” في 2015، وفي صبيحة اليوم التاني لـ”عيد ختمة التوراة”، انطلقت معركة “طوفان الأقصى”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتُكرس “جماعات الهيكل” المتطرفة، التي هي واجهة تيار “الصهيونية الدينية” في تهويد الأقصى- هدفًا محددًا لكل موسم عدوان، فهدفها في “الفصح التوراتي” فرض القربان الحيواني داخل الأقصى، وفي الذكرى العبرية لاحتلال القدس أن تستعرض كل أشكال “السيادة” المزعومة عليه، وفي “ذكرى خراب الهيكل” أن تكسر الرقم القياسي للمقتحمين خلال يومٍ واحد.
أما موسم الأعياد الطويل، وفقًا للمختص إبحيص، فإن الجماعات المتطرفة تُخصصه هدفًا لكل مناسبة، ففي “رأس السنة العبرية” تسعى لنفخ البوق داخل المسجد، وفي “أيام التوبة” تحاول فرض “ثياب التوبة” البيضاء كملابس دينية تشابه ملابس “طبقة الكهنة” داخل الأقصى، وفي “الغفران” تسعى لتجديد نفخ البوق في وقت المغرب ومحاكاة “قربان الغفران”.
وأضاف “وفي عيد العرش تحلم الجماعات ببناء عريشة في الأقصى، وتعمل على إدخال القرابين النباتية إليه، كما تحاول تسجيل أكبر رقمٍ للمقتحمين على مدى أسبوع، وباتت تسعى اليوم في عيد (ختمة التوراة) إلى فرض طقوس (زفاف التوراة) في المسجد المبارك”.
جبهات متعددة
وحول المطلوب للتصدي لمخططات الجماعات المتطرفة، أكد إبحيص أن الواجبات تتعدد، فهناك جبهة غزة التي بادرت وأقامت الحجة على الأمة بأسرها في الالتحام بمعركة “طوفان الأقصى”، وجبهات التحقت بها عبر فعلٍ مقاوم بدأ بالإسناد وأخذ يتطور للالتحام الكامل في لبنان واليمن أو ما زال آخذًا في التصعيد كما في العراق وإيران.
وشدد على أن هناك حاجة ماسة لاستحضار التفاعل الشعبي مع العدوان على المسجد الأقصى في القدس والضفة الغربية والأرض المحتلة عام 1948، فأي تفاعل شعبي واسع اليوم كفيل، حتى وإن كان مؤقتًا، بأن يفتح أبوابًا جديدة للمقاومة.
وأوضح أن هناك أيضًا، مساحة واسعة من الواجب غير المنجز على المستوى العربي والإسلامي، فالأقصى تحوّل بالفعل عبر أربعة عقودٍ مضت إلى عنوان الثورات والانتفاضات والحروب في فلسطين، لكنه لم يتحول إلى عنوان مركزي في العقل العربي والإسلامي.
وشدد على أن الواجب اليوم هو تبني خطاب وبرامج وشق الطريق نحو نماذج تفاعل تُحول المسجد الأقصى إلى عنوان لاستنهاض أسباب القوة العربية والإسلامية، ولدعوة فئات أوسع للالتحام المباشر في معركته، لأن هذا كفيل بترجيح الكفة وتبديل وقائع المعركة إن حصل، حتى ولو بشكلٍ تدريجي.
وقال إبحيص: “لم يعد خافيًا اليوم على أحد أن الاحتلال بات يخوض حربه الحالية، باعتبارها حرب التصفية الشاملة، وأن التصفية التي كان قدمها على مدى سنوات صفقة القرن والاتفاقات الإبراهيمية بات يتطلع إليها باعتبارها نتيجة مباشرة يريد أن يفرضها من هذه الحرب وهذا ما يطيل أمدها”.
و”يتطلع الاحتلال، حسب المختص في شؤون القدس، إلى تنفيذ مخطط التهجير في الضفة الغربية، وفرض يهودية الدولة والترانسفير بالداخل المحتل، وشطب حق العودة في الشتات، وإلحاق المحيط العربي والإسلامي بالهيمنة الصهيونية النهائية، وفي القدس يتطلع إلى حسم هويتها وتحويلها لأورشليم العبرية، وفي المسجد الأقصى إلى تصفيته كمقدسٍ إسلامي وتحويله إلى هيكل، فهذه حرب واحدة متماسكة ولا بد من خوضها على هذا الأساس”.
وتابع أن “الصهيونية الدينية تنظر إلى تغيير هوية الأقصى وتحويله إلى هيكل بوصفها بوابة التصفية، معتبرة أن حسم هوية المقدس هو نقطة الحسم الأصعب، وأن حسمها سيعني حسم كل ما سواها، ومن هنا تغدو معركة الأقصى بوابة معركة الوجود”.
وأكد أن إفشال الاحتلال في مخطط تهويد الأقصى كفيل بإضعاف مسعاه للحسم على بقية الجبهات، بل ويشكل بوابة لفرض الهزيمة على وعيه مع فشله المتتالي في حسم هوية المسجد أمام الهبات والانتفاضات والحروب المتتالية.
وأردف “واجبنا جميعًا في ذكرى الطوفان، أن نبادر إلى خوض معركة الأقصى، باعتبارها معركة وجود، فهذا ما قام الطوفان من أجله”.