حكاية مخاض سبق “الطوفان”.. 37 عاماً على انطلاقة “انتفاضة الحجارة” وثورة المساجد
السبيل – خاص
في ديسمبر 1987، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، المعروفة بـ”انتفاضة الحجارة” لتسجل بداية مرحلة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد 37 عامًا؛ لا يزال أثر الانتفاضة في ذاكرة الشعب الفلسطيني حيًا، فهي تمثل ثورة شعبية عميقة في معانيها وأهدافها، لا سيما في مقاومتها السلمية التي كان لها دور محوري في إشعال شعلة النضال الفلسطيني من جديد، فرغم التحديات التي واجهها الفلسطينيون، برهنت الانتفاضة أن المقاومة الشعبية هي الطريقة الأكثر إصرارًا وفعالية في مواجهة الاحتلال.
ثورة مساجد
كانت المساجد في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية نقطة تجمع وانطلاق أساسية للانتفاضة، وخاصة المسيرات الجماهيرية التي تنطلق بعد صلوات الجماعة، والجمعة على وجه الخصوص، وأصبحت بيوت الله مقرات للثوار والمنتفضين، يجتمعون فيها من مختلف الأعمار، لمناقشة سبل الاستمرار في مقاومة الاحتلال.
وأدى الدور المحوري الذي لعبته المساجد إلى أن تكون جزءًا أساسيًا من نسيج الانتفاضة، فقد أتاح هذا الدور للأئمة والعلماء فرصة تعبئة الجماهير وتحفيزهم على المقاومة، وبهذا شكلت المساجد بيئة خصبة لتغذية الروح الوطنية والصمود في وجه قوات الاحتلال، ما أضاف بُعدًا روحيًا للمقاومة الشعبية الفلسطينية.
أساليب المقاومة
وتحدت الانتفاضة الاحتلال بأساليب غير عنيفة لكنها شديدة التأثير، حيث لم يكن الفلسطينيون يمتلكون الأسلحة الثقيلة، ما اضطرهم إلى الاعتماد على الحجارة كأداة أساسية في مقاومة قوات الاحتلال.
كان الأطفال والشباب في الصفوف الأمامية، حيث الحجارة أصبحت سلاحهم الأهم في مواجهة جنود الاحتلال. ورغم القمع الإسرائيلي الوحشي، بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين والاعتقالات العشوائية؛ إلا أن الفلسطينيين أصروا على استكمال مقاومتهم باستخدام الوسائل المتاحة.
وإلى جانب الحجارة؛ تميزت الانتفاضة بأسلوب العصيان المدني الذي شمل إضرابات عن العمل والدراسة، ما أصاب الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية بالشلل التام، وخلق حالة من التحدي للمؤسسات الإسرائيلية.
وكان الفلسطينيون يرفضون التعاون مع الاحتلال بكل أشكاله، بما في ذلك المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، ما جعل من الانتفاضة مقاومة شاملة تعبر عن وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
مقاومة أم مفاوضات؟
على الرغم من مرور سنوات على اندلاع الانتفاضة الأولى؛ فإن تطورات الواقع الفلسطيني بعد تلك الانتفاضة شهدت تحولًا ملحوظًا، خصوصًا مع اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي عُرفت بمحاولتها فرض حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولكن مع مرور الوقت؛ تبين أن هذه المفاوضات لم تكن سوى مسار مؤقت لم يُحقق للفلسطينيين أي مكاسب ملموسة.
ففي الوقت الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية التي قادت هذا المسار، تتحدث عن حلول عادلة تفضي إليها المفاوضات؛ اتسعت المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وواصل الاحتلال سياسة تهويد القدس، بينما تم فرض مزيد من الحواجز العسكرية التي عزلت الفلسطينيين عن بعضهم البعض.
وأظهر مسار المفاوضات بالمقارنة مع مسار المقاومة والانتفاضة، أنها لم تكن قادرة على الوفاء بحقوق الفلسطينيين الأساسية، بل على العكس من ذلك؛ فقد تم إضعاف القضية الفلسطينية بفعل تلك التنازلات التي كانت تُقدّم على طاولة المفاوضات، في وقت كانت فيه المقاومة الشعبية تواصل تصديها للاحتلال بأساليب متعددة، من الإضرابات والمظاهرات إلى الرشق بالحجارة، ليظل الشارع الفلسطيني يراهن على النضال الشعبي كسبيل أساسي لنيل حقوقه.
اليوم، وبعد كل هذه السنوات؛ أصبح من الواضح أن المقاومة هي السبيل الأمثل لتحقيق الحرية والاستقلال، فقد أثبتت تجربة انتفاضة الحجارة أن التفاوض لا يمكن أن يكون بديلاً عن المقاومة الفعلية التي تخوضها الشعوب من أجل استعادة حقوقها.
ورغم مرور 37 عامًا، لا تزال الانتفاضة الأولى تذكرنا بأن الحقوق الفلسطينية غير قابلة للتفاوض أو التفريط، وأن النضال من أجل الحرية سيظل ممزوجا في أفئدة الأجيال الفلسطينية، التي تسعى لتحرير الأرض، وإنهاء الاحتلال.