لماذا فشل نتنياهو في استعادة أسرى الاحتلال من غزة؟

السبيل – خاص

منذ اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحوّل ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة إلى معضلة حقيقية أمام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

ورغم العمليات العسكرية المكثفة والتصريحات النارية التي أطلقها نتنياهو وحكومته؛ إلا أن الجهود لاستعادة الأسرى باءت بالفشل، ما أثار تساؤلات حيال استراتيجية “إسرائيل” وقدرتها على التعامل مع هذا الملف الحساس.

إخفاق استخباراتي واستراتيجي

يعود الفشل في استعادة الأسرى، في جزء كبير منه، إلى الإخفاق الاستخباراتي الذي سُجل منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” أو ما عُرف بـ”هجوم 7 أكتوبر”، فقد استطاعت المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة “حماس” مفاجأة الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عبر تنفيذ عملية معقدة نجحت خلالها في أسر عدد كبير من الجنود والمدنيين ونقلهم إلى غزة.

هذا الإخفاق جعل الحكومة الإسرائيلية تتخبط في محاولاتها لتحديد مواقع الأسرى، في ظل تعتيم تام فرضته المقاومة على هذا الملف.

علاوة على ذلك؛ اعتمد نتنياهو بشكل كبير على الخيار العسكري لتحقيق إنجاز سريع، حيث شنت قوات الاحتلال عمليات قصف مكثفة على غزة، استهدفت بنية المقاومة، لكنها لم تؤدِ إلى تحقيق أي اختراق يُذكر في ملف الأسرى.

وعلى النقيض من ذلك؛ أسفرت هذه العمليات عن مقتل بعض الأسرى بسبب القصف الإسرائيلي نفسه، ما أدى إلى تصاعد التوترات على الساحة الإسرائيلية جراء السخط الواسع الذي ساد أوساط عائلات الأسرى.

تعنت سياسي وغياب الحلول الدبلوماسية

أظهر نتنياهو تصلبًا واضحًا في التعامل مع ملف الأسرى، حيث رفض الانخراط في مفاوضات غير مشروطة مع المقاومة الفلسطينية، متذرعًا بعدم الرضوخ لما سماه “الابتزاز”.

وحال هذا التعنت السياسي دون استثمار فرص التهدئة أو الوساطات التي عرضتها بعض الدول الإقليمية والدولية، مثل قطر ومصر.

وفي المقابل؛ أعلنت “حماس” استعدادها للتفاوض على صفقة تبادل أسرى تتضمن الإفراج عن أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ووقف العدوان. غير أن نتنياهو، تحت ضغط الأطراف اليمينية المتطرفة في حكومته؛ رفض هذه العروض، ما زاد من تعقيد الموقف، وأدى إلى استمرار الأزمة.

تأثير الانقسام الداخلي الإسرائيلي

إضافة إلى ما سبق؛ واجه نتنياهو ضغوطًا داخلية هائلة من عائلات الأسرى والشارع الإسرائيلي، الذي بات يشكك في قدرة الحكومة على إدارة الأزمة. وتزايدت الاحتجاجات والمظاهرات التي طالبت بالتحرك الجاد لاستعادة الأسرى، ووجهت اتهامات مباشرة لنتنياهو بالتقصير.

وفي ظل الانقسام السياسي الحاد داخل كيان الاحتلال، لا سيما بين حكومة اليمين المتطرف والمعارضة، تعمّق الشعور بعدم الثقة في قيادة نتنياهو، وأصيبت بشلل واضح في اتخاذ القرارات الضرورية لمعالجة الأزمة، وفشلت الحكومة المنقسمة بين تيارات يمينية متطرفة وأخرى أكثر براغماتية، في صياغة استراتيجية موحدة للتفاوض مع “حماس”.

كما أن المعارضة استغلت هذه الانقسامات لتعطيل أي مبادرات سياسية قد تُحسب نجاحًا لحكومة نتنياهو. وبدلًا من التركيز على معالجة الملف بحس “وطني” شامل؛ غرق المشهد السياسي في صراعات داخلية بين الأطراف المختلفة، مما جعل الحكومة تبدو ضعيفة وغير قادرة على التعامل مع هذه القضية الحساسة بشكل فعال.

تكتيكات المقاومة ومحدودية الخيارات

ساهمت تكتيكات المقاومة في تعزيز إخفاق نتنياهو، فقد تمكنت “حماس” من إدارة ملف الأسرى بحنكة واحترافية، من خلال فرض تعتيم إعلامي كامل حول أوضاعهم ومواقع احتجازهم، كما أشرنا سابقاً.

كما أكدت الحركة، من خلال تصريحاتها، أن إطلاق سراح الأسرى لن يتم إلا وفق شروطها، ما أدخل حكومة نتنياهو في مأزق حقيقي.

إلى جانب ذلك؛ تسببت حرب الإبادة التي يواصل الاحتلال شنها في تعقيد الأمور، حيث تضررت سمعة “إسرائيل” دوليًا بسبب ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في غزة، مما جعل الضغط الدولي يتركز على وقف العدوان الإسرائيلي بدلًا من دعم جهود استعادة الأسرى.

وفي الختام؛ يظل نجاح المقاومة الفلسطينية في إدارة ملف الأسرى نقطة قوة تعكس قدرة الفصائل على فرض شروطها في مواجهة “إسرائيل” وجيشها الذي يوصف بأنه “الذي لا يُقهر” !!