العفو الرئاسي في بلاد العجائب: ما هي حكايته؟!
كاتب المقال : علي سعادة
أمريكا بلد العجائب، بلد مفتوح على كل شيء، وكل شيء من الممكن أن يقع فيها، حتى إصدار الرؤوساء الأمريكيين عفوا عن أشخاص ارتكبوا جرائم شائنة تمس الذمة المالية والسياسية والأخلاقية، لكنها رغم ذلك قانونية ودستورية في واشنطن، ورغم ما تثيره من انتقادات إلا أنها متجذرة في بلاد العم سام.
وأعاد إصدار الرئيس الأميركي جو بايدن عفوا رئاسيا عن نجله هانتر بايدن، الحديث عن هذه الإجراء الشائك، هانتر الذي اقر بالذنب في قضية تهرب واحتيال ضريبي وصرف الأموال على رفاهيته والجنس والمخدرات، بتهمة قد تصل عقوبتها إلى السجن لمدة 17 عاما، والمدان أيضا بتصريحات كاذبة أثناء شراء أسلحة وحيازة أسلحة نارية بشكل غير قانوني.
بايدن تحجج بأن ابنه يتعرض للمحاكمة “بشكل انتقائي وغير عادل”. ويبدو أنه خشي على ابنه من انتقام ترامب الذي كان يتوعده، عفو بايدن نهائي ولا يمكن أن يلغيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس أميركي بإصدار عفو عن أحد أفراد عائلته أو غيرهم، إذ على ما يبدو فإن بعض الرؤساء ينتظرون الأيام الأخيرة لهم في البيت الأبيض لإصدار عفو غالبا ما يشمل أفراد من عائلاتهم وأيضا من بينهم حلفاء سياسيين.
تعود أصول العفو الرئاسي إلى سلطة التاج البريطاني في تخفيف العقوبات، وهو الإرث الذي تبناه واضعو دستور الولايات المتحدة.
وقد بدأ ذلك مع جورج واشنطن في 1794 حين وقع ما يعرف باسم “تمرد الويسكي” بين مجموعة من المزارعين وعمال تصنيع الخمور في بنسلفانيا وكنتاكي، والذين نظموا احتجاجات عنيفة بسب فرض الحكومة ضريبة للمساعدة في سداد الديون الخارجية للأمة، واعتقل أكثر من 150 شخصا من المحتجين بتهمة الخيانة.
لكن الرئيس واشنطن أصدر أمرا بالعفو عنهم، في إظهار للوحدة الوطنية وبغرض وقف العنف.
ذهب خليفته أندرو جونسون إلى أبعد من ذلك بمنح العفو الكامل لأولئك الذين قاتلوا من أجل الكونفدرالية، في محاولة لإصلاح أمة ممزقة بعد الحرب الأهلية.
وفي عام 1974 أصدر الرئيس جيرالد فورد عفوا بحق الرئيس ريتشارد نيكسون، بعد فضيحة “ووترغيت” حينما قرر نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس.
ووجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون واستقال على أثرها من منصبه وتمت محاكمته بسبب الفضيحة، ليصدر نائبه فورد الذي أصبح رئيسا مكانه عفوا بحقه.
وفي عام 1977، أصدر الرئيس جيمي كارتر عفوا عن مئات الآلاف من المتهربين من الخدمة العسكرية الذين تهربوا من الخدمة في الجيش التي جعلتها الحكومة إلزامية خلال حرب فيتنام.
وأصدر الرئيس رونالد ريجان عفوا عن جورج شتاينبرينر، مالك فريق نيويورك يانكيز، بسبب مساهماته غير القانونية في حملة نيكسون.
ومنح الرئيس جورج بوش الأب العفو لستة أفراد مرتبطين بقضية “إيران كونترا”.
ولاحقا في عام 2001 شهد اليوم الأخير لبيل كلينتون في منصبه موجة من 140 عفوا، بما في ذلك العفو عن أخيه غير الشقيق، روجر كلينتون، بسبب إدانته بالمخدرات عام 1985، كما أصدر كلينتون عفوا عن شريكته التجارية السابقة سوزان ماكدوغال التي حكم عليها بالسجن لمدة عامين لدورها في صفقة مشروع “وايت ووتر” العقاري المضطرب.
الرئيس السابق باراك أوباما منح 212 عفوا و1715 تخفيفيا على مدى ثماني سنوات من حكمه.
واصل دونالد ترامب هذا التقليد، حيث أصدر عفوا عن حلفاء بارزين مثل روجر ستون، وبول مانافورت، وستيف بانون، بالإضافة إلى والد صهره، تشارلز كوشنر.
كما أصدر ترمب عفوا عن العديد من حلفائه المدانين في تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر في روسيا.
ويسهل ما قام به بايدن من مهمة ترامب بعد تسلمه الرئاسة في كانون الثاني المقبل والساعي للإفراج عن أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في عام 2021 لمنع الكونغرس من المصادقة على هزيمة ترامب أمام بايدن في انتخابات 2020.
لطالما تذبذبت العفو الرئاسي بين النوايا الوطنية الخالصة والدوافع المشكوك فيها، والأهداف والنزوات الشخصية، لكنها في النهاية تذكرنا بالقوة الهائلة المخولة للمنصب والتي تمنح للجالس في الجناح الغربي بالبيت الأبيض والتي تثير الجدل، سواء تم استخدامها لأغراض شخصية أو سياسية أو وطنية.
بتوقيع ورقة قد يغير الرئيس الأمريكي تاريخا بأكمله.
لكن بايدن طيلة 14 شهرا من العدوان الصهيونية المتوحش على قطاع غزة فشل في الإمساك بقلمه وتوقيع قرار وقف إطلاق النار فتلطخت يداه المرتعشة والجبانة بدماء 150 ألف فلسطيني وفلسطينية بين جريح وشهيد .