“هندسة العقل”.. تسويق الوهم للجمهور الإسرائيلي
- كتاب إسرائيليون يلحظون فجوة كبيرة بين الخطاب الإعلامي الرسمي والواقع الميداني
- “هل تستطيع إسرائيل تحقيق شيء ملموس من استمرار الحرب؟”
- الجيش يضخم إنجازاته ويصور نجاحات وهمية لتخفيف الضغط عن الحكومة وطمأنة الجمهور
- تراجع نسب التحاق جنود الاحتياط غير مسبوقة وتعكس استنزاف الجيش واهتزاز ثقة الجمهور به
- تشهد الشركات الناشئة التي تعد ركيزة النمو الاقتصادي تراجعًا في التمويل ما ينذر بركود طويل
السبيل – خاص
مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة؛ تزداد التحديات التي تواجه حكومة الاحتلال داخليًا وخارجيًا. فبينما يسعى جيش الاحتلال لتقديم صورة عن قرب انهيار المقاومة الفلسطينية؛ تتصاعد الشكوك داخل الأوساط الإسرائيلية بشأن جدوى الحرب ومآلاتها.
وكشفت تقارير إسرائيلية مؤخرًا عن فجوة كبيرة بين الخطاب الإعلامي الرسمي، والواقع الميداني الذي يشير إلى تعثر كبير في تحقيق أهداف العدوان، إضافة إلى أزمات سياسية واقتصادية تلوح في الأفق.
وتثير هذا المشهد المتناقض تساؤلات حول قدرة الاحتلال على إدارة أزماته، والتعامل مع تداعيات الحرب على مختلف المستويات.
“هندسة العقل” وتضليل الجمهور
في محاولة لاحتواء الإحباط الشعبي؛ لجأ الجيش الإسرائيلي إلى “هندسة العقل”، وهي استراتيجية دعائية تهدف إلى تسويق فكرة أن حركة حماس في غزة على وشك الانهيار، وأن سكان القطاع على وشك الانتفاض ضدها.
لكن هذه الرواية تعرضت للتشكيك من عديد الخبراء والإعلاميين، آخرهم الصحفي إليور ليفي، الذي كشف في منشور عبر حسابه في موقع “إكس” عن تناقض كبير بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني.
وبحسب ليفي؛ فإن الجيش يعمد إلى تضخيم إنجازاته وتصوير نجاحات وهمية لتخفيف الضغط عن الحكومة وطمأنة الجمهور، إلا أن الحقائق تشير إلى أن حماس لا تزال تسيطر على الأوضاع بشكل كبير، وأن العمليات العسكرية لم تسفر عن أي تغيير استراتيجي جذري.
أكثر من ذلك؛ فإن محاولات جيش الاحتلال السيطرة على السرد الإعلامي، شملت تقييد حرية الصحفيين، ورفض طلبات لتوثيق ما يجري داخل غزة، ما يكشف عن مخاوف من نشر وقائع قد تنسف الرواية الرسمية.
ويهدف هذا النهج الدعائي إلى الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، لكنه يثير تساؤلات خطيرة داخل المجتمع الإسرائيلي حول مصداقية الجيش وفعالية استراتيجيته العسكرية، خاصة في ظل عدم تحقيق أهداف ملموسة حتى الآن.
تساؤلات حول الغايات والنتائج
رغم التقدم الميداني المحدود لجيش الاحتلال؛ تبرز تساؤلات جدية داخل الكيان حول الغايات الحقيقية لهذه الحرب ومدى إمكانية تحقيقها.
صحيفة “جيروزاليم بوست” نشرت مقالا أمس الثلاثاء، يعكس هذه الشكوك، ويشير إلى أن الحرب أسفرت عن مقتل مئات من الجنود الإسرائيليين، دون تحقيق اختراقات واضحة على صعيد إنهاء سيطرة “حماس” أو استعادة الجنود والمواطنين المحتجزين.
وتساءل الكاتب شيروين بومرانتز: “هل تستطيع إسرائيل تحقيق شيء ملموس من استمرار الحرب؟”، لافتاً إلى تراجع نسب التحاق جنود الاحتياط إلى 25%، وهي نسبة غير مسبوقة تعكس استنزاف الجيش واهتزاز ثقة الجمهور به.
كما أشار إلى تصاعد الانقسامات السياسية والاجتماعية التي تفاقمت بفعل هذه الحرب، ما يعمق أزمة القيادة في مواجهة ضغوط متزايدة من الداخل والخارج.
ويضع هذا الوضع كيان الاحتلال أمام معضلة استراتيجية، فبينما يسعى لتحقيق نصر معنوي أو ميداني؛ يبدو أن الحرب تسير نحو طريق مسدود، مع تكلفة بشرية واقتصادية متصاعدة، وتآكل في معنويات المجتمع الإسرائيلي.
غياب التخطيط الإستراتيجي
وفي السياق ذاته؛ قال الكاتب شيروين بومرانتز، إن الحكومة الإسرائيلي لا تبدو مستعدة للتعامل مع تداعيات الصراع على غزة أو الوضع المتأزم في الضفة الغربية ولبنان، مشيرا إلى أن هذا الغياب للتخطيط الاستراتيجي يفاقم القلق العام بشأن المستقبل، ويعزز الانطباع بأن “إسرائيل” تتحرك بلا رؤية واضحة.
إضافة إلى ذلك؛ يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تبعات الحرب، ليس فقط بسبب التكلفة المالية الباهظة، بل أيضًا نتيجة فقدان الثقة بين المستثمرين، فيما تشهد الشركات الناشئة، التي كانت ركيزة النمو الاقتصادي للكيان، تراجعًا ملحوظًا في التمويل، ما ينذر بفترة طويلة من الركود.
وتساءل بومرانتز إذا كان هناك أشخاص في أعلى سلم هرم القيادة السياسية، يفكرون في كيفية إعادة ترسيخ مصداقية “إسرائيل” المالية في عالم “أصبحت فيه معاداة السامية متفشية وطبيعية”، وفق تعبيره، و”أصبح يُنظر فيه لإسرائيل باعتبارها الظالم، وإلى الإسرائيليين على أنهم هم الأشرار”.
ومع تفاقم الأزمات الداخلية والانقسامات المجتمعية؛ يجد الاحتلال نفسه في مواجهة واقع جديد، تُهدد فيه المقاومة ليس فقط وجوده في غزة، بل استقراره على مستوى الداخل بأكمله، لتصبح الحرب نقطة تحول كبرى في مسار الصراع، حيث تتجه “إسرائيل” نحو أزمة وجودية غير مسبوقة، تجعلها أبعد ما تكون عن تحقيق الأمان، أو الهيمنة التي لطالما سعت إليها.