المسيّرات تتساقط على الأردن.. من أين تأتي؟ وكيف يواجهها؟
السبيل
- الخبير العسكري نضال أبو زيد: للمسيّرات 3 مصادر، وغرضها بين هجوم انتقامي على إسرائيل وتهريب مخدرات إلى المملكة
- المحلل السياسي عبد الحكيم القرالة: المسيّرات التي تستهدف الأردن تعد تحديا أمنيا وتوجد حاجة لتعزيز القدرات العسكرية، خصوصا المنظومة الدفاعية
أعلن الأردن خلال الأيام القليلة الماضية سقوط طائرات مسيرة “مجهولة المصدر” شمال البلاد.
وهو إعلان أثار مخاوف أمنية جديدة لدى المملكة، لا سيما مع موقعها الجغرافي المتوسط لصراعات المنطقة، ما يستدعي تعزيز منظومتها الدفاعية.
وبالفعل، أعلن الأردن خلال السنوات الماضية إسقاطه أعدادا كبيرة من الطائرات المسيرات والتي كانت بقصد التهريب، وخاصة المخدرات.
لكن الواقع الأمني في المنطقة، جراء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما تثيره من مواقف مناهضة من جهات مختلفة، يحتم على عمان التعامل مع ما يجري بأسلوب غير اعتيادي.
وهو ما أقر به متحدث الحكومة محمد المومني، في بيان السبت، تعليقا على سقوط 3 مسيّرات في ثلاثة أيام.
واعتبر المومني أن ذلك “تهديد يتعامل الأردن معه ضمن قواعد الاشتباك العسكرية، ويتخذ الإجراءات الضرورية كافة للتصدي لهذه الانتهاكات”.
وأعلن الجيش الأردني، الثلاثاء والخميس الماضيين، سقوط 3 مسيرات “مجهولة المصدر ” في مناطق خالية من السكان شمالي البلاد دون إصابات.
وتزامنت الحادثتان مع استمرار جهات مختلفة في شن هجمات على إسرائيل؛ ردا على الإبادة الجماعية التي تواصل ارتكابها في قطاع غزة منذ أكثر من عام.
وخلفت هذه الإبادة نحو 146 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
**واقع إقليمي معقد
“فُرض على الأردن أن يكون متأثرا بالواقع الإقليمي المعقد”.. هكذا بدأ الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني نضال أبو زيد حديثه للأناضول.
ولفت إلى “الموقع الجغرافي للمملكة في قلب صراعات إقليمية وحالة انفلات أمني شمالا في سوريا وشرقا في العراق، يُضاف لذلك إرهاصات العملية العسكرية للاحتلال جنوب لبنان وفي الأراضي المحتلة”.
وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان، أبرزها “حزب الله”، بدأت غداة شن إسرائيل حرب الإبادة على غزة، وسعّت تل أبيب منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي نطاق الإبادة لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.
وشدد أبو زيد على أن هذا الواقع الإقليمي المعقد “بدأ ينعكس على الأردن من خلال تهديد المسيّرات التي تسقط داخل أراضيه”.
وأضاف أن “خطر المسيّرات بدأ يتصاعد في ظل تبادل الرد بين إيران ووكلائها والجانب الإسرائيلي، حيث لا يعتبر الأردن هدفا لها”.
وأوضح أن “فقدان السيطرة عليها أو فقدان توجيهها، قد يؤدي إلى سقوطها في الأراضي الأردنية كما حصل قبل أيام في محافظتي إربد وجرش (شمال)”.
وأكد أن هذا الأمر “بات يشكل تهديدا واضحا عبّر عنه الأردن أكثر من مرة بخطابه الإعلامي الرسمي برفض أن تكون المملكة ساحة حرب لأي طرف”.
وفيما يتعلق بمصدر المسيّرات، قال أبو زيد: “هناك مصدران، فأول اثنتين (في إربد) كانتا من قبل المليشيات الشيعية المنتشرة جنوب سوريا، والثالثة (في جرش) من المليشيات الشيعية المنتشرة في العراق وتستهدف الأراضي المحتلة”.
وتابع: “برز مؤخرا أيضا مصدر آخر لهذه المسيّرات، وهو جنوب الأراضي المحتلة (إسرائيل)، وتم الإعلان رسميا أكثر من مرة عن إسقاط مسيّرات على الواجهة الجنوبية الغربية”.
الخبير العسكري رأى أن “هذا التهديد يختلف عن التهديدات السابقة من العراق وسوريا؛ حيث يقتصر على محاولات تهريب المخدرات من جنوب الأراضي المحتلة إلى المملكة”.
وفي الحالة الأخيرة، أكد أن “الاحتلال يتحمل مسؤولية ضبط حدوده، بدلا من الاستمرار بالتصريحات الإعلامية عن وجود محاولات إيرانية لاستغلال الحدود الأردنية لتهريب السلاح”.
و”ذلك يندرج في إطار المناكفة الإعلامية الإسرائيلية للأردن (الرافض بشدة لحرب إبادة غزة)، ومحاولة الهروب من واقع انفلات الحدود من الجانب الإسرائيلي واستغلالها بتهريب المخدرات عبر المسيّرات التي زادت مؤخرا”، كما أردف أبو زيد.
وأشار إلى أنه “في ظل هذا الواقع، لا يزال الأردن يتعاطى مع ملف المسيّرات كملف أمني بامتياز، سواء من قبل الحدود الشرقية والشمالية أو حتى من قبل الحدود الغربية”.
وأكد أن “الأردن ذهب إلى أبعد من التعاطي الدبلوماسي؛ إذ طور أدواته العسكرية وقواعد الاشتباك، للتعامل مع هذه الحوادث. والواقع الأمني منضبط لغاية الآن”.
** ارتدادات الصراع بالمنطقة
الكاتب والمحلل السياسي عبد الحكيم القرالة قال: “لا يختلف اثنان على أن ما يجري في المنطقة من تداعيات وتمدد لرقعة الصراع ينذر بعواقب وخيمة على الجميع، في ظل اضطراد العمليات العسكرية من مختلف الأطراف وتنوع أساليبها”.
وزاد القرالة في حديث للأناضول أن “الأردن جغرافيا ليس بمنأى عن ارتدادات وتداعيات ذلك، غير أنه كان واضحا وحاسما بأنه لن يكون ساحة حرب أو صراع لأي طرف وتحت أي ظرف”.
وأردف: “من المعروف أن الأردن مستهدف من بعض القوى الإقليمية (لم يحددها) عبر ميليشيات مسلحة على حدود المملكة، تنتهج استهدافه عبر تهريب الأسلحة والمخدرات، وتريد أن يكون لها تأثير ونفوذ في الداخل الأردني كما في دول عديدة في المنطقة”.
واستطرد: “الأردن أكد أكثر من مرة وبشكل حاسم وقوي أنه لن يكون، بحكم موقعه الجغرافي، ساحة حرب أو طرف في أي نزاع، وأوصل رسائل قوية لكل الأطراف المعنية بهذا الصراع”.
وفضلا عن حربيها على غزة ولبنان، تتبادل إسرائيل ضربات جوية مع كل من إيران وجماعة الحوثي اليمنية، وسط تحذيرات من اندلاع حرب إقليمية واسعة.
و”مما لا شك فيه أن المسيّرات التي تستهدف الأردن تعد تحديا أمنيا، وبالتالي توجد حاجة لتعزيز القدرات العسكرية، خصوصا المنظومة الدفاعية؛ لتجنب الأخطار والتبعات، وحماية أمن الوطن والمواطنين”، حسب القرالة.
وختم بالإعراب عن اعتقاده أن “الجيش الأردني متنبه لهذا الأمر، ويتعاطى وفق قواعد الاشتباك الملائمة في مثل هذه الظروف”.
وخلال 2023، وتحديدا قبل بدء حرب إبادة غزة بأشهر قليلة، أسقط الجيش الأردني مسيّرات كان دخولها يقتصر من الجانب السوري لغايات التهريب، باستثناء واحدة كانت حملت مواد متفجرة.
الأناضول