عزل غالانت.. هكذا تخلص نتنياهو من أقوى خصومه في الحكومة
لم يُفاجأ الوسط السياسي الإسرائيلي ولا أغلب المحللين السياسيين بقرار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة وزير جيشه يواف غالانت، بالرغم من تزامنها مع استمرار الحرب العدوانية التي تشنها “إسرائيل” في قطاع غزة ولبنان.
فبينما كانت أنظار العالم تتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية المنشغلة بانتخاباتها الرئاسية وتحديد ساكن البيت الأبيض، خرج نتنياهو بقرار إقالة غالانت، وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس بدلا منه.
ورغم خروج مظاهرات حاشدة في تل أبيب رفضا لقرار الإقالة، إلا أن الإقالة مرت مرور الكرام، بخلاف ما جرى في المحاولة السابقة قبل عام ونصف.
ويرى المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس، أن 3 أسباب تقف وراء إقالة غالانت.
وشرح “أبو العدس” في حديثه لوكالة “صفا” أسباب الإقالة، وأولها رغبة نتنياهو بوجود أشخاص في حكومته يمكن التحكم بهم وتحت سيطرته.
وبيّن أن الوزير كاتس فشل كوزير للزراعة وللخارجية، لكن “ميزته” الوحيدة هي كونه من أتباع نتنياهو، وتسلمه لحقيبة الجيش سيجعل نتنياهو يتحكم في السياسة والجيش معا.
والسبب الثاني وفق “أبو العدس”، فهو أن نتنياهو ومنذ بداية الحرب، عمل على إسكات كل الأصوات المناوئة له في الحكومة، وفكك مجلس الحرب وقبله مجلس الحرب المصغر مع غانتس وايزنكوت ودفعهما للاستقالة.
وأضاف أنه في الوقت الذي كان نتنياهو ينفرد باتخاذ القرارات، لم يجد من يعارضه سوى غالانت الذي كان يدفع باتجاه حل سياسي وصفقة أسرى والخروج من غزة وتسوية مع لبنان، ولكن هذا لا يناسب طموحات نتنياهو ولا ما يريده.
أما السبب الثالث والأهم، فهو التوقيت، إذا أن الإدارة الامريكية ستكون عاجزة عن معارضة القرار في ظل انشغال أمريكا بالانتخابات الرئاسية، ولهذا باتت إقالة غالانت أمرا واقعا لا يمكن تجاوزه.
كما جاء القرار في هذا الوقت، حتى يكون نتنياهو هو الجهة الوحيدة في “إسرائيل” التي تتعامل معها الإدارة الأمريكية الجديدة.
صراع قديم
ولفت “أبو العدس” إلى أن الصراع بين غالانت ونتنياهو بدأ قبل 7 أكتوبر، وسبق أن أقال نتنياهو غالانت على خلفية معارضته الإصلاحات القضائية، لكنه اضطر للتراجع عن القرار في حينه تحت الضغط الشعبي والمظاهرات.
كما كان نتنياهو على وشك إقالته مرة أخرى قبل عدة شهور، لكنه لم يتخذ القرار بسبب ضغوط أمريكية من ناحية، ولتزامنها مع اتخاذ قرار هجوم البيجر واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فكانت مرحلة حساسة جدا لا يمكن أن يقال فيها وزير الجيش.
ويفسر أبو العدس تراجع المعارضة الشعبية لإقالة غالانت بحالة الإنهاك التي يعيشها الشارع الإسرائيلي في هذا الوقت.
وقال: “نتنياهو أنهك الشارع الإسرائيلي، والذي فقد الشعور بجدوى المظاهرات بعد أن استطاع نتنياهو السيطرة عليه في مناسبتين سابقتين، وبسبب طول أمد الحرب أُرهق المجتمع بتبعات الحرب، وهناك الآن حالة من اللامبالاة في الشارع”.
ولا يتوقع “أبو العدس” أن تترك إقالة غالانت تأثيرا على حزب الليكود، إذ لا يوجد بوادر انشقاق داخل الحزب، ونتنياهو يسيطر عليه بقوة، وبهذا يمكن القول إن نتنياهو اجتاز إقالة غالانت وتمرير قانون إعفاء المتدينين من التجنيد، وبذلك ضمن إكمال فترة ولايته.
ويعتقد أن انفراد نتنياهو باتخاذ القرارات العسكرية، سيؤدي إلى توسيع الحرب لتشمل لبنان بشكل أشرس، وربما ستكون محاولة توغل بري أعمق، بالإضافة إلى دخول سوريا، ومواجهة مفتوحة مع إيران.
ويتفق الصحفي المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة، مع كثير مما ذهب إليه “أبو العدس” حول أسباب الإقالة وانعكاساتها.
وقال دراغمة لوكالة “صفا” إن أسباب الإقالة معلنة وقد تحدث عنها غالانت نفسه، وهي تأييده للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، ومعارضته لقانون إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية، ومطالبته بلجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر.
وذكّر دراغمة بأن العلاقات بين الاثنين سيئة منذ أزمة الإصلاحات القضائية، إذ كان غالانت يعارض تلك الإصلاحات لأنها أثرت على المجتمع الإسرائيلي وبرزت حالات رفض للخدمة في وحدات الجيش، وهناك من اعتبر أن تلك الاحتجاجات هي التي شجعت حركة “حماس” على تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”.
مسألة وقت
وأضاف: “الإقالة كانت مسألة وقت، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت إصدار غالانت مراسيم بتجنيد 7 آلاف من المتدينين، وهو ما أثار غضب الأحزاب الدينية وعجل بإقالته”.
وأوضح أن الخلافات زادت خلال الحرب ليس على الحرب ذاتها، وإنما الخلاف الجوهري هو حول تبادل الأسرى، إذ أن غالانت والمؤسسة العسكرية كانوا يضغطوا للتوصل إلى صفقة ومن ثم العودة للحرب.
واعتبر أن الإقالة لن تؤثر على سير الحرب، وإنما ستعزز موقف نتنياهو في اتجاهاته في هذه الحرب.
وأكد أن كاتس سيكون مجرد “وزير صوري”، فهو لا يمتلك خبرة عسكرية، في حين أن وزير الجيش الحقيقي سيكون نتنياهو.
ومستقبلا، ربما يلجأ نتنياهو لإقالة رئيسي “الأركان” و”الشاباك”، أو سيدفعهما للاستقالة، وبذلك يستكمل نتنياهو الدائرة بالتعيينات السياسية والأمنية بما يتماشى مع سياسته في الحرب.
وحول ضعف الاحتجاجات على قرار الإقالة، يرى دراغمة أن سببه استمرار حالة الحرب، وتأييد قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي لاستمرار الحرب حتى في غير أوساط الأحزاب والتيارات المنضوية في الحكومة.
ولا يتوقع أن يكون له تأثير داخل الليكود، إذ لا يجرؤ أحد على مواجهة نتنياهو.
نقلًا عن “صفا”