عملية البحر الميت.. نقاش بهدوء
كاتب المقال : عبد الله المجالي
لا شك أن العملية التي نفذها الشهيدان عامر قواس وحسام أبو غزالة قد أحدثت ضجة كبيرة، وخلافات داخلية.
ولا شك أن العملية قد أدخلت الحركة الإسلامية في أتون جدالات وسجالات كون الشهيدين هما عضوان في جماعة الإخوان المسلمين.
واتجهت النقاشات بشكل عام إلى تيارين عامين؛ أحدهما مجّد العملية البطولية التي قام بها الشهيدان، ورأى أنها تأتي ردا على جرائم الكيان في غزة، وأنها تعبير أمين عن تضامن الأردنيين مع أشقائهم الذين يبادون في القطاع.
وتيار آخر ذهب باتجاه رفض العملية، وتحدث أنها تحرج الجانب الرسمي، ومنهم من ذهب إلى أنها تشكل خطرا على الأمن القومي الأردني، وقسم كبير من هذا التيار ذهب باتجاه تجريم الحركة الإسلامية وتحميلها المسؤولية، خصوصا بعد البيان الذي أصدره الحزب وتصريحات قيادات من أن الشهيدين ينتميان للحركة الإسلامية.
للأسف فقد أخذ الاتجاه الثاني مساحة واسعة من الجدال، ونال الحركة الإسلامية الجزء الأكبر من الهجوم، والطريف أن البعض ذهب إلى لوم الجهات الرسمية التي سمحت للحزب باكتساح الانتخابات النيابية في قائمتها الوطنية!!
في ظني فقد أخطأ أصحاب الاتجاه الثاني، وقد أساؤوا للموقف الأردني الرسمي والشعبي من حيث لم يحتسبوا.
حيث إن المقاربة التي انطلقوا منها زجت الأردن في القضية، وجعلتها قضية محلية صرفة، واشتبكت مع جهة محلية، وذهبت إلى سجالات وأحيانا شتائم واتهامات بين أبناء الوطن الواحد، وتجاهلت المسألة الرئيسية وهي جرائم الكيان.
كما أن تلك المقاربة أحرجت الجانب الرسمي وزجت به في معمعمة كان في غنى عنها، ووضعته في موقف الدفاع وكأنه متهم.
علاوة على أن تلك المقاربة الساذجة أظهرت وكأن البلد مجرد قشة يمكن أن تذهب في خبر كان بمجرد حادثة كهذه، وهذه كانت سقطة لا يجوز أن يقع فيها البعض.
لكن كل ذلك في كفة، وأن تلك المقاربة تجاهلت السبب الحقيقي لإقدام هؤلاء الشباب للتضحية بأنفسهم في كفة أخرى، فقد تجاهلت تلك المقاربة تماما أن الدافع الحقيقي للشهيدين هو محاولة الرد على الجرائم والمذابح التي يرتكبها الكيان في حق الفلسطينيين في غزة والضفة، ورد على جرائم الكيان بحق المقدسات والمسجد الأقصى.
كان الأولى أن يلتف الجميع حول تحميل المسؤولية الأولى والأخيرة لعملية البحر الميت للكيان الصهيوني (وهو أمر لا أعتقد أن أردنيين يختلفان عليه)، وكان الأولى أن تدفعنا تلك العملية للتركيز وتكثيف التركيز على جرائم الكيان وما يمكن أن تسببه في المنطقة، وكان الأولى أن تدفعنا الحادثة تجاه التقاطع مع الدعوات الرسمية المتكررة بضرورة وقف العدوان وحرب الإبادة قبل أن تنفلت الأمور وتخرج عن السيطرة في المنقطة برمتها.
لقد تجاهلت تلك المقاربة الساذجة كل هذا، وجعلتنا “نشتغل ببعض”، وتركت العدو بعيدا عن المسؤولية يمعن في جرائمه والولوغ في دماء إخواننا الفلسطينيين، وتجاهلت أن مزيدا من العربدة في غزة والضرب بعرض الحائط بمصالح الأردن الاستراتيجية في الضفة والقدس يمكن أن يدفع شبانا آخرين، لا يمكن لأحد السيطرة على مشاعرهم، لمحاولة الانتقام والرد على تلك الجرائم.