</div><div>&nbsp;</div><div>الملك غاضب، وأي شخص سيكون مكان الملك سيكون غاضبا.</div><div>الملك لا يواجه هذه الأيام أي ضغوط شعبية داخلية، فالوضع الداخلي هادئ، الحراك في مرحلة بيات، و"الإخوان" بعد أحداث مصر ينظرون إلى "رابعة العدوية" و"النهضة" وما ستأتي به الأيام؛ وبالتالي الوضع مستقر ولا يشكل إزعاجا رغم ما يطفح به الإعلام الرسمي من شتائم بحق "الإخوان" بمناسبة وبدون مناسبة، ولأي سبب كان.</div><div>إذاً لماذا يغضب الملك؟</div><div>عربياً، كان التأييد الذي يتزايد للرئيس المصري المعزول بانقلاب عسكري صادما بالنسبة لدول شجعت على إقصاء مرسي، فيما المجتمع الدولي رغم عدم حبه لـ"الإخوان المسلمين" يرفض أن يبارك خطوة السياسي في إقصاء رئيس منتخب ديمقراطيا من شعبه.</div><div>وسوريا تسير نحو الفوضى الشاملة على جبهات قتال مفتوحة، حرب لا منتصر فيها ولا مهزوم، حرب تدار بعقيدة عسكرية سعودية، ويجد الأردن نفسه مرغماً على التورط بحذر في هذا الملف الشائك، وعلاقته بطرفي الصراع ليست على ما يرام، فالتنظيمات الإسلامية المسلحة لن تكون على وفاق معه، وهي بدأت تحصل على السلاح من الجهات الممولة دون قيود، والنظام السوري ينتظر لحظة الانتصار ليبدأ في إزعاج النظام في عمان.</div><div>والعراق، الرئة التي يتنفس منها الأردن، بات يعتقد أن بعض "الجهاديين" دخلوا العراق بتسهيلات أردنية؛ وبالتالي فهو ينتظر ليتخذ الخطوة التالية، وهي خطوة قد تكون كارثية على الاقتصاد الأردني.</div><div>ودول الخليج العربي التي قدمت لمصر في أقل من 24 ساعة مساعدات وصلت إلى 12 مليار دولار بعد الانقلاب العسكري، لم تقدم للأردن سوى القليل ليجتاز أزمته الاقتصادية التي نتجت عن فاتورة النفط والغاز، بل إنه ترك وحيدا في مرحلة ما من أزمته الداخلية، ولم يعوض حتى خسائره الناتجة عن توقف حركة الاستيراد والتصدير عبر الأراضي السورية.</div><div>الولايات المتحدة و"إسرائيل" تبحثان عن تسوية للقضية الفلسطينية، ويطالبان عمان بدور في التسوية، دور قد يتجاوز قدرته الداخلية.</div><div>داخليا، الوضع كالتالي:</div><div>مجلس النواب غير مقنع بتاتا، وبدلا من أن ينهي إقرار بعض القوانين الهامة التي طلبها الملك في خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة، وبدلا من أن يلعب دورا رقابيا وتشريعيا، انشغل في مناكفة الحكومة، وفي ابتزاز الوزراء خصوصا الوزارات الخدمية، وفي التدخل في إدارة أجهزة الدولة والاعتداء على أحد الوزراء، وخاض معارك "داحس والغبراء" وسيل من "الهوش" والشتائم، والأخطر التغيب الدائم عن حضور الجلسات! حتى إن جلسات هامة لم تعقد بسبب غياب النصاب، كما أن بعض النواب الذين تدور حولهم شبهات مالية وقضايا فساد أعطوا انطباعا عربيا ودوليا بأن المجلس يفتقد للشرعية.</div><div>رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور، استسهل الاعتداء على جيب المواطن دون أن يطرح أي حل اقتصادي، أو أن يجد حلا للمشكلة المالية التي يواجهها الأردن، وعلى العكس المشكلة تتفاقم، ولم يعد في جعبة المواطن ما يستطيع أن يدفعه، والغلاء يستشري وميزانية المواطن لم تعد تكفي إلا للضروريات. والتضخم يتزايد والمديونية تخنق أي إيرادات وتجهض أي مشاريع للتنمية، والتنمية غائبة عن المحافظات تماما.</div><div>وفرص العمل والتعليم الجامعي باتت عرضة للمحاصصة وللاستثناءات التي أفقدت المجتمع صفة المدنية، والتنافس الشريف القائم على القدرات الذاتية والمؤهلات.</div><div>الإعلام يواجه معضلة حقيقة؛ فمالياً الصحف توشك على الإفلاس، "العرب" أغلقت، وصحيفة أخرى زميلة تواجه مأزقا ماليا خانقا، ولا يبدو في الأفق أي أمل، مهنيا انحدرت الصحف الرسمية إلى مستوى من الردح والتحريض والكراهية؛ مما أفقد الإعلام الأردني مهنيته التي صبغته لسنوات طويلة.</div><div>الصراع السياسي بين النخب على المواقع والمناصب تجاوز كل الخطوط الحمراء، وبات الضرب تحت الحزام ومن الظهر مؤذيا للجميع.</div><div>النسيج الاجتماعي بحاجة إلى ترميم فقد تسبب العنف الجامعي، وبعض الكتاب والصحفيين المأزومين في تمزيق هذا النسيج، وفي نكوص المواطن نحو العائلة والعشيرة والمكان الجغرافي بدلا من أن يتجه إلى الدولة، الدولة المدنية.</div><div>المحافظات تعاني من التهميش وبعض المدن باتت كيانات مستقلة عن الدولة، لا سلطة فيها للدولة.</div><div>لقد أوصلتنا الحكومة إلى المقولة الشهيرة : "الدبلوماسي هو شخص يمكنه أن يقول لك عبارة "اذهب للجحيم" بأسلوب يجعلك تتطلع تلقائياً إلى تلك الرحلة".</div><div>أمام هذا الواقع هل يحق للملك أن يغضب؟!</div><div>هل المقربون من الملك والذين يتقلدون أرفع المناصب يمنحون الملك الثقة بالمستقبل؟</div><div>هل يوجد رجال دولة يمارسون دور النصح لله وللوطن دون النظر إلى مصلحة خاصة أو على حسابات آنية ضيقة؟! لماذا يلجأ البعض إلى توريط النظام في صراعات داخلية لا داعي لها مثل: التحريض على الصدام بين النظام و"الإخوان"؟ هل البلد بحاجة إلى مزيد من الاحتقان؟! لماذا الإصرار على ضرب النسيج الاجتماعي وتفتيت المجتمع؟! لماذا لا يتم لجم الإعلام الرسمي التحريضي، ثم من هم الذين يقودون عمليات الشحن الإعلامي والإقليمي في البلد؟!</div><div>لماذا يستسهل البعض طرح وسائل للصدام بدلا من تقديم حلول للحوار وإيجاد مخارج للأزمات الداخلية، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى حدود كارثية؟ لماذا التغني بشعارات وكليشهات جوفاء أكل عليها الدهر وشرب، والاختباء وراء الملك؛ للهروب من الاستحقاق الوطني بضرورة التضحية من قبل جميع الذين كونوا ثروات هائلة على حساب الوطن دون أن يقدموا شيئا لمساعدة النظام والدولة والوطن؟</div><div>لماذا يعاد دائما إنتاج الفاسدين والمرتشين والمأزومين؟</div><div>أين هي النخب التي استفادت من النظام على مدى عشرات السنين؟</div><div>لا أعرف لماذا تذكرت كلمات أدلى بها الملك الراحل الحسين بن طلال في كتاب "مهنتي كملك"، يروي الملك الحسين رواية حول اغتيال الملك عبدالله المؤسس يقول: "استدرت نحو جثة الملك.. لقد كنت مصابا بدوار في الرأس عندما جثوت إلى جانبها، ولكن كنت بشكل خاص غاضبا مغتاظا فلم أفكر إلا بشيء واحد، وهو أن هؤلاء الرجال الذين أحبهم جدي ورفع مقاماتهم أو ساعدهم قد هربوا".</div><div>يضيف الملك الحسين: "رأيت من طرف عيني كل أصدقاء جدي يهربون في كل اتجاه، إنني ما زلت أراهم، هؤلاء الكبراء وأعيان الدولة وهم يخفون وجوههم ويفرون كأنهم العجائز المذعورات، إن هذه الصورة سوف تبقى محفورة إلى الأبد في ذاكرتي أكثر من صورة القاتل؛ لأنها كانت إلى حد كبير البرهان الأكيد الدائم على ضعف الولاء السياسي وسرعة زواله".</div><div>ويضف: "لقد كنت طوال حياتي محاطا بطائفة لا حصر لها من الناس، كنا نتكلم معا ونضحك معا، ولكن على مدار السنين وفي قرارة نفسي كنت وحيدا كرجل غريب".</div><div>هذا المشهد تكرر مع الملك عشرات المرات في المفاصل الأساسية للدولة، وفي جميع المراحل التي عاشها النظام، وخصوصا في فترة المد القومي واليساري والناصري في الخمسينيات والستينيات.</div><div>الولاء السياسي الزائف الذي يسقط في أول اختبار، النظرة الضيقة للوطن بوصفه مزرعة أو بقرة حلوب تسقط بعد أن يتم إغلاق حنفية الأعطيات والغنائم، تحويل مسار الوطن نحو آفاق كارثية فقد من أجل البقاء في المنصب وفي الواجهة الإعلامية.</div><div>وهذا يؤكد مقولة ويليام رونالدولف: "سيفعل السياسي أي شيء للحفاظ على وظيفته، حتى لو اضطر إلى أن يصبح وطنياً".</div><div>جلالة الملك.. السؤال هو هل هؤلاء هم أصدقاء وحلفاء النظام؟ هل هؤلاء هم البطانة الصالحة التي يدعو بها خطباء المساجد كل يوم جمعة؟ أنا لا اعرف على وجه اليقين! المرحلة بحاجة إلى تحديد الألوان، يقول المهاتما غاندي: "خطايا العالم السبع التي تسببت بتردي أحواله هي: الثروة بلا جهد، السياسة بلا مبادئ، المتعة بلا ضمير، المعرفة بلا خلق، العلم بلا إنسانية، التجارة بلا أخلاق، العبادة بلا تضحية".</div><div>فيما يرى قس بن ساعدة انه "إذا رأيت حربا يجبن شجاعها، ويجرؤ جبانها، فاصعد إلى رابية وانظر جيدا، ترى في الأمر خيانة". ويرى الشهيد صلاح خلف (أبو إياد): "أخشى ما أخشاه أن أو كما يقول نعوم تشومسكي: "للأسف الشديد لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات، لأننا لم ننتخبهم أصلاً".</div><div>بعد كل ذلك، هل كان الملك محقاً في غضبه وعتبه وهو يقف وحيدا في مواجهة العاصفة الهوجاء التي تجتاح المنطقة ومنها الأردن؟!</div>